صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 67 ] ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم .

ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض

روى الإمام أحمد عن أنس قال : استشار النبي صلى الله عليه وسلم في الأسارى يوم بدر فقال : « إن الله قد أمكنكم منهم » ، [ ص: 3037 ] فقال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ! اضرب أعناقهم ، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم لمقالته وقال : « إنما هم إخوانكم بالأمس » ، وعاد عمر لمقالته ، فأعرض عنه صلى الله عليه وسلم ، فقام أبو بكر الصديق فقال : يا رسول الله ! نرى أن تعفو عنهم ، وأن تقبل منهم الفداء . قال فذهب عن وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان فيه من الغم ، فعفا عنهم ، وقبل منهم الفداء .

وأخرج مسلم في ( أفراده ) من حديث عمر بن الخطاب ، قال ابن عباس : لما أسروا الأسارى . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر وعمر : « ما ترون في هؤلاء الأسارى » ؟ فقال أبو بكر : يا رسول الله ! هم بنو العم والعشيرة ، أرى أن تأخذ منهم فدية تكون لنا قوة على الكفار ، فعسى الله أن يهديهم إلى الإسلام . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ما ترى يا ابن الخطاب » ؟ قال : قلت لا ، والله يا رسول الله ! ما أرى الذي رأى أبو بكر ، ولكني أرى أن تمكننا فنضرب أعناقهم ، فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من العباس فيضرب عنقه ، وتمكنني من فلان - نسيب لعمر - فأضرب عنقه ، فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديده . فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر ، ولم يهو ما قلت .

فلما كان من الغد جئت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يبكيان ، فقلت : يا رسول الله ! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك ، فإن وجدت بكاء بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أبكي على أصحابك من أخذهم الفداء ، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة » ، لشجرة قريبة من نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل :
ما كان لنبي الآية .


ذكره الحميدي في ( " مسنده " ) عن عمر بن الخطاب ، من أفراد مسلم بزيادة فيه .

ومعنى : ما كان لنبي ما صح له وما استقام وقرئ ( للنبي ) على العهد ، والمراد [ ص: 3038 ] على كل ، نبينا صلى الله عليه وسلم ، وإنما نكر تلطفا به ، حتى لا يواجه بالعقاب . وقرئ ( أسارى ) .

ومعنى : يثخن في الأرض يكثر القتل ويبالغ فيه ، حتى يذل الكفر ، ويقل حزبه ، ويعز الإسلام ، ويستولي أهله . يقال : أثخن في العدو ، بالغ في قلتهم . كما في ( " الأساس " ) ، وأثخن في الأرض قتلا إذا بالغ . وقال ابن الأعرابي : أثخن إذا غلب وقهر .

قال الرازي : وإنما حمله الأكثرون على القتل ، لأن الدولة إنما تقوى به .

قال المتنبي :


لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم



ولأنه يوجب قوة الرعب ، وشدة المهابة ، فلذلك أمر تعالى به . وقوله تعالى : تريدون عرض الدنيا أي : متاعها الزائل ، بفداء أسارى بدر .

والعرض ما لا ثبات له ولو جسما ، ومنه استعار المتكلمون ( العرض ) المقابل ( للجوهر ) ، قاله الشهاب .

والله يريد الآخرة أي : يريد لكم ثوابها والله عزيز أي : غالب على ما أراد .

حكيم أي : فيما يأمر به عباده .

التالي السابق


الخدمات العلمية