صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 18 ] إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين .

إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله أي : لم يعبد إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين أي : إلى الجنة .

وإبراز اهتدائهم مع ما بهم من الصفات السنية ، في معرض التوقع ، لقطع أطماع الكفرة عن الوصول إلى مواقف الاهتداء والانتفاع بأعمالهم التي يحسبون أنهم في ذلك محسنون ، ولتوبيخهم بقطعهم أنهم مهتدون ، فإن المؤمنين ما بهم من هذه الكمالات ، إذا كان أمرهم دائرا بين لعل وعسى ، فما بال الكفرة وهم هم ، وأعمالهم أعمالهم ! ! وفيه لطف للمؤمنين ، وترغيب لهم في ترجيح جانب الخوف على جانب الرجاء ، ورفض الاغترار بالله تعالى . - كذا حرره أبو السعود - .

وقال الناصر : وأكثرهم يقول : إن ( عسى ) من الله واجبة ، بناء منهم على أن استعمالها غير مصروفة للمخاطبين .

والحق أن الخطاب مصروف إليهم ، كما قال الزمخشري ، أي : فحال هؤلاء المؤمنين حال مرجوة العاقبة عند الله معلومة ، ولله عاقبة الأمور .

[ ص: 3087 ] تنبيهات :

الأول : قال الزمخشري : ( العمارة ) تتناول زم ما استرم منها وقمها ، وتنظيفها وتنويرها بالمصابيح ، وتعظيمها واعتيادها للعبادة والذكر ، ومن الذكر درس العلم ، بل هو أجله وأعظمه ، وصيانتها مما لم تبن له المساجد من أحاديث الدنيا ، فضلا عن فضول الحديث .

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : « من غدا إلى المسجد أو راح ، أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح » .

ورويا أيضا عن عثمان بن عفان قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : « من بنى لله مسجدا يبتغي به وجه الله تعالى ، بنى الله له بيتا في الجنة » .

وأخرج الترمذي عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « إذا رأيتم الرجل يعتاد المسجد ، فاشهدوا له بالإيمان » ، قال الله تعالى : إنما يعمر مساجد الله الآية .

الثاني : إنما لم يذكر الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم لدخوله في الإيمان بالله ، فترك للمبالغة في ذكر الإيمان بالرسالة ، دلالة على أنهما كشيء واحد ، إذا ذكر أحدهما فهم الآخر ، على أنه أشير بذكر المبدأ والمعاد إلى الإيمان بكل ما يجب الإيمان به ، ومن جملته رسالة صلى الله عليه وسلم كما في قوله تعالى : آمنا بالله وباليوم الآخر كذا في ( " العناية " ) .

[ ص: 3088 ] الثالث : في تخصيص الصلاة والزكاة بالذكر ، تفخيم لشأنهما وحث على التنبه لهما .

الرابع : دلت الآيتان على أن عمل الكفار محبط لا ثواب فيه .

وقوله تعالى :

التالي السابق


الخدمات العلمية