صفحة جزء
[ ص: 3221 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[ 82 ] فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون .

فليضحكوا قليلا أي : ضحكا قليلا ، أو زمانا قليلا ، غايته مدة حياتهم وليبكوا كثيرا أي : بكاء ، أو زمانا كثيرا ، بعد الموت ، أبد الآباد جزاء بما كانوا يكسبون أي : بفرحهم بمخالفة الله ورسوله ، من الكفر والمعاصي العظائم .

لطائف :

الأولى : سر إخراج حالهم الدنيوي والأخروي على صيغة الأمر ، الدالة على تحتم وقوع المخبر به ، فإنه أمر الآمر المطاع مما لا يكاد يتخلف عنه المأمور به ، فإن قيل : إنهم ذكروا أنه يعبر عن الأمر بالخبر للمبالغة ، لاقتضائه تحقق المأمور به ، فالخبر آكد ، فما باله عكس هنا ؟

فالجواب : لا منافاة بينهما ، لأن لكل مقام مقالا ، والنكت لا تتزاحم ، فإذا عبر عن الأمر بالخبر ، لإفادة أن المأمور ، لشدة امتثاله ، كأنه وقع منه ذلك ، وتحقق قبل الأمر كان أبلغ .

وإذا عبر عن الخبر بالأمر كأنه لإفادة لزومه ووجوبه ، فكأنه مأمور به ، أفاد ذلك مبالغة من جهة أخرى .

الثانية : الجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل في قوله : ( بما كانوا يكسبون ) دلالة على الاستمرار التجددي ما داموا في الدنيا .

الثالثة : ( جزاء ) مفعول له للفعل الثاني ، أي : ليبكوا جزاء ، أو مصدر حذف ناصبه ، أي : يجزون بما ذكر من البكاء الكثير جزاء .

ولما جلى سبحانه ما جلى من أمرهم ، فرع عليه قوله :

التالي السابق


الخدمات العلمية