صفحة جزء
[ ص: 3223 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[ 84 ] ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون .

ولا تصل على أحد منهم مات أبدا قال المهايمي : لأنها شفاعة ، ولا شفاعة في حقهم ولا تقم على قبره أي : لا تقف عليه للدفن أو للزيارة والدعاء .

قال الشهاب : القبر مكان وضع الميت ، ويكون بمعنى الدفن ، وجوز هنا .

إنهم كفروا بالله ورسوله في الحياة في الباطن وماتوا وهم فاسقون أي : خارجون عن الإيمان الظاهر ، الذي كانوا به في حكم المؤمنين .

تنبيهات :

الأول : روى الشيخان في سبب نزول الآية عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : لما توفي عبد الله ابن أبي ، جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله أن يعطيه قميصه يكفن فيه أباه ، فأعطاه ، ثم سأله أن يصلي عليه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه ، فقام عمر ، فأخذ بثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! تصلي عليه ، وقد نهاك ربك أن تصلي عليه ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إنما خيرني الله فقال :
استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم وسأزيده على السبعين » . قال : إنه منافق . قال : فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل آية : ولا تصل على أحد منهم إلخ .


[ ص: 3224 ] قال الحافظ أبو نعيم : وقع في رواية في قول عمر : ( أتصلي عليه وقد نهاك الله عن الصلاة على المنافقين ؟ ) ، ولم يبين محل النهي ، فوقع بيانه في رواية أبي ضمرة عن العمري : وهو أن مراده بالصلاة عليهم الاستغفار لهم ، ولفظه : وقد نهاك الله أن تستغفر لهم . انتهى .

يعني في قوله تعالى : ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى فإنها نزلت في قصة أبي طالب حين قال صلى الله عليه وسلم : « لأستغفرن لك ، ما لم أنه عنك » . وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة اتفاقا ، ووفاة عبد الله بن أبي في ذي القعدة ، سنة تسع بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك . كذا في ( " فتح الباري " ) .

ووقع في مسند الإمام أحمد ما تقدم من حديث عمر نفسه .

قال عمر : لما توفي عبد الله بن أبي دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقام عليه ، فلما وقف عليه يريد الصلاة عليه ، تحولت حتى قمت في صدره فقلت : يا رسول الله ! أعلى عدو الله : عبد الله بن أبي القائل يوم كذا ، كذا وكذا ؟ يعدد أيامه ، قال : ورسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم ، حتى إذا أكثرت عليه قال : « أخر عني يا عمر ، إني خيرت فاخترت ، قد قيل لي : استغفر لهم الآية ، لو أعلم أني لو زدت على السبعين ، غفر له ، لزدت » .

قال : ثم صلى عليه ومشى معه وقام على قبره ، حتى فرغ منه . قال : فعجبت من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله ورسوله أعلم .

قال : فوالله ! ما كان إلا يسيرا حتى نزلت هاتان الآيتان : ولا تصل على أحد منهم مات أبدا الآية ، فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ، ولا قام على قبره ، حتى قبضه الله عز وجل .


[ ص: 3225 ] ورواه البخاري والترمذي أيضا .

وروى الإمام أحمد عن جابر قال : لما مات عبد الله بن أبي ، أتى ابنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إنك إن لم تأته لم نزل نعير به ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد أدخل في حفرته فقال : « أفلا قبل أن تدخلوه ؟ » فأخرج من حفرته ، وتفل عليه من ريقه من قرنه إلى قدمه ، وألبسه قميصه . ورواه النسائي ، وروى نحوه البخاري والبزار في مسنده ، وزاد : فأنزل الله الآية .

زاد ابن إسحاق في " المغازي " بسنده قال : فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق بعده حتى قبضه الله ، ولا قام على قبره .

وقد روى الإمام أحمد عن أبي قتادة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي إلى جنازة سأل عنها ، فإن أثني عليها خير قام فصلى عليها ، وإن كان غير ذلك ، قال لأهلها : « شأنكم بها » . ولم يصل عليها .

الثاني : إنما منع صلى الله عليه وسلم من الصلاة على أحدهم إذا مات ، لأن صلاة الميت دعاء واستغفار واستشفاع له ، والكافر ليس بأهل لذلك .

[ ص: 3226 ] الثالث : قال السيوطي في ( " الإكليل " ) : في قوله تعالى : ولا تصل على أحد منهم الآية ، تحريم الصلاة على الكافر ، والوقوف على قبره ، وأن دفنه جائز ، ومفهومه وجوب الصلاة على المسلم ودفنه ، ومشروعية الوقوف على قبره ، والدعاء له ، والاستغفار . انتهى .

قال عثمان رضي الله عنه : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت ، وقف عليه وقال : « استغفروا لأخيكم ، واسألوا له التثبيت ، فإنه الآن يسأل » . - انفرد بإخراجه أبو داود - .

الرابع : قال الحافظ ابن حجر في ( " الفتح " ) ظاهر الآية أنها نزلت في جميع المنافقين ، لكن ورد ما يدل على أنها نزلت في عدد معين منهم .

قال الواقدي : أنبأنا معمر عن الزهري قال حذيفة : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني مسر إليك سرا ، فلا تذكره لأحد ، إني نهيت أن أصلي على فلان ، رهط ذوي عدد من المنافقين » .

قال ، فلذلك كان عمر إذا أراد أن يصلي على أحد استتبع حذيفة ، فإن مشى معه ، وإلا لم يصل عليه .

ومن طريق أخرى ، عن جبير بن مطعم أنهم اثنا عشر رجلا .

وقال حذيفة مرة : إنه لم يبق منهم غير رجل واحد . ولعل الحكمة في اختصاص المذكورين بذلك ، أن الله علم أنهم يموتون على الكفر ، بخلاف من سواهم ، فإنهم تابوا . انتهى .

ثم بين تعالى أن دوام غضبه عليهم لا ينافي إعطاءهم الأموال والأولاد ، بقوله سبحانه :

التالي السابق


الخدمات العلمية