صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 97 ] الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله والله عليم حكيم .

الأعراب وهم أهل البدو أشد كفرا ونفاقا أي : من أهل الحضر ، لجفائهم [ ص: 3238 ] وقسوتهم وتوحشهم ، ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء ، ومعرفة الكتاب والسنة : وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله أي : وأحق بجهل حدود الدين ، وما أنزل الله من الشرائع والأحكام والله عليم أي : يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر حكيم أي : فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم ، مخطئهم ومصيبهم ، من عقابه وثوابه .

لطائف :

الأولى : قال الشهاب : العرب ، هذا الجيل المعروف مطلقا ، والأعراب سكان البادية منهم ، فهو أعم .

وقيل : العرب سكان المدن والقرى ، والأعراب سكان البادية من العرب ، أو مواليهم ، فهما متباينان ، ويفرق بين جمعه وواحده بالياء فيهما .

الثانية : ما ذكر في الآية من أجدرية جهل الأعراب من بعدهم عن سماع الشرائع ، وملابسة أهل الحق ، يشير إلى ذم سكان البادية وهو يطابق ما رواه الإمام أحمد ، وأصحاب السنن ، عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « من سكن البادية جفا » ، وتتمته : « ومن اتبع الصيد غفل ، ومن أتى السلطان افتتن » . وقوله صلى الله عليه وسلم : « إن الجفاء والقسوة في الفدادين » .

قال ثعلب : الفدادون أصحاب الوبر ، لغلظ أصواتهم ، وهم أصحاب البادية ، ويقال : من صحب الفدادين ، فلا دنيا نال ولا دين .

مأخوذ من ( الفديد ) ، وهو رفع الصوت أو شدته .

[ ص: 3239 ] قال ابن كثير : ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي ، لم يبعث الله منهم رسولا ، وإنما كانت البعثة من أهل القرى ، كما قال تعالى : وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى

ولما أهدى ذلك الأعرابي تلك الهدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرد عليه أضعافها حتى رضي قال : « لقد هممت ألا أقبل هدية إلا من قرشي أو ثقفي أو أنصاري أو دوسي » ، لأن هؤلاء كانوا يسكنون المدن : مكة والطائف والمدينة واليمن ، فهم ألطف أخلاقا من الأعراب ، لما في طباع الأعراب من الجفاء .

الثالثة : روى الأعمش عن إبراهيم قال : جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه ، وكانت يده قد أصيبت يوم ( نهاوند ) ، فقال الأعرابي : والله ! إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني ! فقال زيد : ما يريبك من يدي ، إنها الشمال ؟ فقال الأعرابي : والله ! ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال ؟ فقال زيد بن صوحان : صدق الله : الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنـزل الله على رسوله .

ثم أشار تعالى إلى فريق آخر من منافقي الأعراب ، بقوله :

التالي السابق


الخدمات العلمية