صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[138 ] صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة ونحن له عابدون

"صبغة الله" مصدر مؤكد منتصب من قوله "آمنا بالله" كذا قاله سيبويه ، فهو بمثابة فعله . كأنه قيل صبغنا الله صبغة. أي صبغ قلوبنا بالهداية والبيان صبغة كاملة لا ترتفع بماء الشبه ، ولا تغلب صبغة غيره عليه . والصبغة كالصبغ (بالكسر فيهما لغة) ، ما يصبغ به وتلون به الثياب . ووصف الإيمان بذلك لكونه تطهيرا للمؤمنين من أوضار الكفر ، وحلية تزينهم بآثاره الجميلة ، ومتداخلا في قلوبهم . كما أن شأن الصبغ بالنسبة إلى الثوب كذلك . ويقال : صبغ يده بالماء غمسها فيه ، وأنشد ثعلب :


دع الشر وانزل بالنجاة تحرزا إذا أنت لم يصبغك في الشر صابغ



وقال الراغب : الصبغة إشارة من الله عز وجل إلى ما أوجده في الناس من بداية العقول [ ص: 274 ] التي ميزنا بها من البهائم ، ووشحنا بها لمعرفته ومعرفة حسن العدالة وطلب الحق ، وهو المشار إليه بالفطرة في قوله : فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله الآية ، والمعني بقوله عليه السلام : « كل مولود يولد على الفطرة . . . » الخبر ، وتسمية ذلك بالصبغة من حيث إن قوى الإنسان التي ركب عليها ، إذا اعتبرت بذاته ، تجري مجرى الصبغة التي هي زينة المصبوغ . ولما كانت اليهود والنصارى ، إذا لقنوا أولادهم اليهودية والنصرانية ، يقولون : قد صبغناه -بين تعالى أن الإيمان بمثل ما آمنتم به هو صبغة الله وفطرته التي ركزها في الخلق ، ولا أحد أحسن صبغة منه .

(ثم قال) : وقول الحسن وقتادة ومجاهد : إن الصبغة هي الدين ، وقول غيرهم : إنها الشريعة ، وقول من قال : هو الختان- إشارة إلى مغزى واحد : ومن أحسن من الله صبغة الاستفهام للإنكار والنفي . أي : لا صبغة أحسن من صبغته تعالى . لأنها صبغة قلب لا تزول . لثباتها بما تولاها الحفيظ العليم ، فلا يرتد أحد عن دينه سخطة له بعد أن خالط الإيمان بشاشة قلبه . والجملة اعتراضية مقررة لما في "صبغة الله" من معنى الابتهاج "ونحن له عابدون" شكرا لتلك النعمة ولسائر نعمه . فكيف تذهب عنا صبغته ونحن نوكدها بالعبادة ، وهي تزيل رين القلب فينطبع فيه صورة الهداية . وهو عطف على آمنا ، داخل معه تحت الأمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية