صفحة جزء
[ ص: 3242 ] القول في تأويل قوله تعالى :

[ 100 ] والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم .

والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار أي : ممن تقدم بالهجرة والنصرة . وقيل : عنى بالفريق الأول من صلى إلى القبلتين ، أو من شهد بدرا ، أو من أسلم قبل الهجرة وبالثاني أهل بيعة العقبة الأولى ، وكانوا سبعة نفر ، وأهل العقبة الثانية ، وكانوا سبعين ، والذين آمنوا حين قدم عليهم أبو زرارة مصعب بن عمير ، فعلمهم القرآن .

واختار الرازي الوجه الأول ، وقال : والصحيح عندي أنهم السابقون في الهجرة وفي النصرة ، والذي يدل عليه أنه ذكر كونهم سابقين ، ولم يبين أنهم سابقون فلماذا ؟

فبقي اللفظ مجملا ، إلا أنه وصفهم بكونهم مهاجرين وأنصارا ، فوجب صرف ذلك اللفظ إلى ما به صاروا مهاجرين وأنصارا ، وهو الهجرة والنصرة ، فوجب أن يكون المراد منه : السابقون الأولون في الهجرة والنصرة ، إزالة للإجمال عن اللفظ .

وأيضا فالسبق إلى الهجرة طاعة عظيمة ، من حيث إن الهجرة فعل شاق على النفس ، ومخالف للطبع ، فمن أقدم عليه أولا ، صار قدوة لغيره في هذه الطاعة ، وكان ذلك مقويا لقلب الرسول عليه الصلاة والسلام ، وسببا لزوال الوحشة عن خاطره ، وكذلك السبق في النصرة ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة ، فلا شك أن الذين سبقوا إلى النصرة والخدمة فازوا بمنصب عظيم .

وقرئ ( الأنصار ) بالرفع ، عطفا على السابقون .

والذين اتبعوهم بإحسان أي : سلكوا سبيلهم بالإيمان والطاعة رضي الله عنهم لأن الهجرة أمر شاق على النفس ، لمفارقة الأهل والعشيرة .

والنصرة منقبة شريفة ، [ ص: 3243 ] لأنها إعلاء كلمة الله ، ونصر رسوله وأصحابه ، والإحسان من أحوال المقربين أو مقاماتهم - قاله المهايمي - .

ورضوا عنه بما وفقهم إليه من الإيمان والإحسان ، وما آتاهم من الثواب والكرامة وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار وذلك بدل ما تركوا من دورهم وأهليهم ، وبدل ما أعطوه للمهاجرين من أموالهم ، ولغرسهم جنات القرب في قلوبهم ، وإجرائهم أنهار المعارف في قلوبهم وقلوب من اتبعوهم بهذه الهجرة والنصرة والإحسان - قاله المهايمي ـ .

وقرأ ابن كثير : ( من تحتها الأنهار ) كما هو في سائر المواضع .

خالدين فيها أبدا لتخليدهم هذا الدين بإقامة دلائله ، وتأسيس قواعده ، إلى يوم القيامة ، والعمل بمقتضاه ، واختيار الباقي على الفاني ذلك الفوز العظيم أي : الذي لا فوز وراءه .

تنبيهات :

الأول : قال في ( " الإكليل " ) : في هذه الآية تفضيل السابق إلى الإسلام والهجرة ، وأن السابقين من الصحابة أفضل ممن تلاهم .

الثاني : قيل : المراد ب ( السابقين الأولين ) جميع المهاجرين والأنصار ، ف ( من ) بيانية لتقدمهم على من عداهم .

وقيل : بعضهم - وهم قدماء الصحابة - و ( من ) تبعيضية ، وقد اختار كثيرون الثاني ، واختلفوا في تعيينهم على ما ذكرناه أولا ، ورأى آخرون الأول .

روي عن حميد بن زياد قال : قلت يوما لمحمد بن كعب القرظي : ألا تخبرني عن الصحابة فيما كان بينهم ؟ وأرد الفتن - فقال لي : إن الله تعالى قد غفر لجميعهم ، وأوجب لهم الجنة في كتابه ، محسنهم ومسيئهم .

قلت له : والسابقون الأولون الآية ، فأوجب للجميع الجنة والرضوان ، وشرط على تابعيهم أن يقتدوا بهم في أعمالهم الحسنة وألا يقولوا فيهم إلا حسنا لا سوءا .

[ ص: 3244 ] أي : لقوله تعالى : والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان

الثالث : قال الشهاب : تقديم المهاجرين لفضلهم على الأنصار كما ذكر في قصة السقيفة ، ومنه علم فضل أبي بكر رضي الله عنه على من عداه ، لأنه أول من هاجر معه صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية