صفحة جزء
[ ص: 3486 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[ 107 ] خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد [ 108 ] وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ

خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ أي: غير مقطوع، ولكنه ممتد إلى غير نهاية.

وفي التوقيت بـ (السماوات والأرض) وجهان: أحدهما: أن يكون عبارة عن التأبيد ونفي الانقطاع، كقول العرب: (ما أقام ثبير)، و (ما لاح كوكب) و (ما طما البحر) ونحوها، لا تعليق قرارهم في الدارين بدوام هذه السماوات والأرض، فإن النصوص دالة على تأبيد قرارهم، وانقطاع دوامهما.

وثانيهما: أن يراد سماوات الآخرة وأرضها، إذ لا بد لأهلها من مظل ومقل، قال تعالى: يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وقوله: وأورثنا الأرض نتبوأ من الجنة حيث نشاء

فإن قلت: ما معنى الاستثناء بالمشيئة، وقد ثبت خلود أهل الدارين فيهما من غير استثناء؟ فالجواب ما قدمناه في قوله تعالى: قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله يعني أن الاستثناء بالمشيئة قد استعمل في أسلوب القرآن، للدلالة على الثبوت والاستمرار.

[ ص: 3487 ] والنكتة في الاستثناء بيان أن هذه الأمور الثابتة الدائمة إنما كانت كذلك بمشيئة الله تعالى بطبيعتها في نفسها، ولو شاء تعالى أن يغيرها لفعل.

وقد أشار لهذا ابن كثير بقوله: يعني أن دوامهم ليس أمرا واجبا بذاته، بل موكول إلى مشيئته تعالى.

وابن عطية بقوله: هذا على طريق الاستثناء الذي ندب الشارع إلى استعماله في كل كلام، كقوله: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله فليس يحتاج أن يوصف بمتصل ولا منقطع.

وللمفسرين هنا وجوه كثيرة، وما ذكرناه أحقها وأبدعها.

ولما قص تعالى قصص عبدة الأوثان وذكر ما أحله بهم من نقمة، وما أعد لهم من عذابه قال:

التالي السابق


الخدمات العلمية