صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[94-96] فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين إنا كفيناك المستهزئين الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون .

فاصدع بما تؤمر أمر من ( الصدع ) بمعنى الإظهار والجهر ، من (انصداع الفجر) . أو من ( صدع الزجاجة ) ونحوها وهو تفريق أجزائها . أي : افرق بين الحق والباطل : وأعرض عن المشركين أي : الذين يرومون صدك عن التبليغ ، فلا تبال بهم .

إنا كفيناك المستهزئين أي : حفظناك من شرهم ، فلا ينالك منهم ما يحذر . وهذا ضمان منه تعالى ، له صلوات الله عليه ; لينهض بالصدع نهضة من لا يهاب ولا يخشى . كما قال تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنـزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس

[ ص: 3772 ] الذين يجعلون مع الله إلها آخر وصفهم بذلك ; تسلية له عليه الصلاة والسلام ، وتهوينا للخطب عليه ، بأنهم أصحاب تلك الجريمة العظمى ، التي هي أكبر الكبائر ، التي سيخذلون بسببها . كما قال : فسوف يعلمون أي : عاقبة أمرهم . وقد جوز في الموصول أن يكون صفة ( للمستهزئين) ومنصوبا بإضمار فعل. ومرفوعا بتقدير (هم) . وفي الآية وعيد شديد لمن جعل معه تعالى معبودا آخر . وقد أشار كثير من المفسرين إلى أن قوله تعالى : إنا كفيناك المستهزئين عنى به ما عجله من إهلاكهم . كما روى ابن إسحاق عن عروة : أن عظماء المستهزئين كانوا خمسة نفر ، وكانوا ذوي أسنان وشرف في قومهم : من بني أسد أبو زمعة ، كان النبي صلى الله عليه وسلم قد دعا عليه لما كان يبلغه من أذاه واستهزائه ، فقال : « اللهم أعم بصره ، وأثكله ولده » ومن بني زهرة الأسود ، ومن بني مخزوم الوليد بن المغيرة ، ومن بني سهم العاص بن وائل ، ومن خزاعة الحارث . فلما تمادوا في الشر وأكثروا برسول الله صلى الله عليه وسلم الاستهزاء ; أنزل الله تعالى : فاصدع بما تؤمر إلى قوله : فسوف يعلمون قال ابن إسحاق عن عروة : إن جبريل أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت ، فقام وقام رسول الله إلى جنبه ، فمر به الأسود ، فأشار إلى بطنه فاستسقى بطنه فمات منه . ومر به الوليد فأشار إلى أثر جراح بأسفل كعب رجله كان أصابه قبل ذلك بسنتين فانتقض به فقتله . ومر به العاص بن وائل فأشار إلى أخمص قدمه ، فخرج على حمار يريد الطائف ، فربض على شبرقة فدخلت في أخمص قدمه . ومر به الحارث فأشار إلى رأسه فامتخط قيحا فقتله . انتهى .

ومثله ما رواه ابن مسعود : قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم نصلي في ظل الكعبة ، [ ص: 3773 ] وناس من قريش وأبو جهل قد نحروا جزورا في ناحية مكة ، فبعثوا فجاؤوا بسلاها وطرحوه بين كتفيه وهو ساجد . فجاءت فاطمة فطرحته عنه ، فلما انصرف قال : « اللهم ! عليك بقريش وبأبي جهل وعتبة وشيبة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط » .

قال ابن مسعود رضي الله عنه : فلقد رأيتهم قتلى في قليب بدر
.

التالي السابق


الخدمات العلمية