صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[67] ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون .

ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون بيان لآيته تعالى في الثمرات المذكورة ، ومنته في المشروب منها والمطعوم . و ( السكر ) : مصدر سمي به الخمر . فهو بمعنى السكر كالرشد والرشد .

قال الفراء : السكر : الخمر نفسها . والرزق الحسن : الزبيب والتمر وما أشبههما ، ولا يقال : الخمر محرمة ، فكيف ذكرها الله في معرض الإنعام ؟ لأن هذه السورة مكية ، وتحريم الخمر نزل في سورة المائدة . وكان نزول هذه الآية في الوقت الذي كانت الخمر فيه غير محرمة . وأجاب الرازي بجواب ثان .

[ ص: 3825 ] وهو : أنه لا حاجة إلى التزام هذا النسخ ، وذلك لأنه تعالى ذكر ما في هذه الأشياء من المنافع ، وخاطب المشركين بها ، والخمر من أشربتهم ، فهي منفعة في حقهم .

قال : ثم إنه تعالى نبه في هذه الآية أيضا على تحريمها . وذلك لأنه ميز بينها وبين الرزق الحسن في الذكر ، فوجب أن لا يكون السكر رزقا حسنا . ولا شك أنه حسن بحسب الشهوة فوجب أن يقال : الرجوع عن كونه حسنا بحسب الشريعة . وهذا إنما يكون كذلك إذا كانت محرمة . انتهى .

تنبيه :

قال ابن كثير : دلت الآية على التسوية بين المسكر المتخذ من النخل والمتخذ من العنب كما هو مذهب الجمهور .

وفي (" فتح البيان ") قد حمل السكر جماعة من الحنفية على ما لا يسكر من الأنبذة وعلى ما ذهب ثلثاه بالطبخ حتى يشتد إلى حد السكر . كما في (" الكشاف ") .

قالوا : إنما يمتن الله على عباده بما أحله لا بما حرمه عليهم . وهذا مردود بالأحاديث الصحيحة المتواترة على فرض تأخره عن آية تحريم الخمر . انتهى .

وليس هذا موضع بسط ذلك . قال ابن كثير : وقد ناسب ذكر العقل ها هنا في قوله تعالى : لقوم يعقلون فإنه أشرف ما في الإنسان . ولهذا حرم الله على هذه الأمة الأشربة المسكرة ؛ صيانة لعقولها . انتهى .

ولما بين تعالى أن إخراج الألبان من النعم ، وإخراج السكر والرزق الحسن من ثمرات النخيل والأعناب ، دلائل قاهرة وبينات باهرة ، على أن لهذا العالم إلها واحدا قادرا مختارا حكما ؛ أرشد إلى آيته الساطعة في النحل أيضا بقوله سبحانه :

[ ص: 3826 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية