صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[80-81] وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا .

وقل رب أدخلني مدخل صدق أي: مدخلا حسنا مرضيا بلا آفة : وأخرجني مخرج صدق أي : مخرجا حسنا مرضيا من غير آفة الميل إلى النفس ، ولا الضلال بعد الهدى . و : واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا أي : عزا ناصرا للإسلام على الكفر ، مظهرا له عليه .

وقد رأى المهايمي ارتباط الآية بما قبلها في معناها حيث قال : وقل رب أدخلني أي : في هذه العبادات ، فإنها لا توصلك إلى المقام المحمود ، إلا إذا صدق دخولك فيها وخروجك عنها ، ولا يتم إلا بإمداد الله بعد استمدادك منه . وقولك : رب أدخلني مدخل صدق أي : بمشاهدتك في هذه العبادات ، وتخليتي عن الرياء والعجب ، وتصفيتي بإخلاص العمل ، وإخلاص طلب الأجر ، ورؤية المنة لله ، ورؤية التقصير فيها : وأخرجني عنها : مخرج صدق فلا تستعملني فيما يحبطها علي ، ولا تردني على نفسي . وإذا غلبني الشيطان أو النفس أو الخلق ، أو وردت علي شبهة ، فاجعل لي من لدنك ، لا من عند فكري : سلطانا أي : حجة : نصيرا ينصرني على ما ذكر ; ليبقي علي عبادتي فيوصلني إلى المقام المحمود . انتهى .

واللفظ الكريم محتمل لذلك . ويظهر لنا أنه إشارة للهجرة كما ستراه .

وقل أي : استبشارا بقرب الظفر والنصر ، وترهيبا للمشركين : جاء الحق وهو الوعد بالسلطان النصير والإسلام ودولته : وزهق الباطل أي : ذهب وهلك . وهو الشرك وجولته : إن الباطل كان زهوقا أي : مضمحلا غير ثابت في كل وقت .

[ ص: 3976 ] تنبيه:

سياق هذه الآيات مع سباقها أعني قوله تعالى : وإن كادوا ليستفزونك من الأرض يدل على أن نزولها في أوقات الاهتمام للهجرة إلى المدينة ، ومبارحة مكة ، وأنه تعالى أمر نبيه بأن يبتهل إليه في تيسير إدخاله لمهاجره على ما يرضيه ، وإخراجه من بلده كذلك . وأن يجعل له حماية من لدنه ، تعز جانبه وتعصمه ممن يرومه بسوء .

وأسلوب التنزيل العزيز في مثل هذا الدعاء ، هو إرادة الخبر بحصول المدعو ، ومشيئة الله بوقوعه عن قرب . ولذلك عقبه بقوله : وقل جاء الحق وزهق الباطل إعلاما بأن الأمر تم ، والفرج جاء ، ودحر الباطل ، ورجع إلى أصله ، وهو العدم .

روى الحافظ أبو يعلى عن جابر رضي الله عنه قال : دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما ، تعبد من دون الله . فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكبت على وجوهها . وقال : جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا . ورواه الشيخان وغيرهما عن ابن مسعود ، بنحوه .

قال في (" الإكليل ") : فيه استحباب تلاوة هذه الآية عند إزالة المنكر.

التالي السابق


الخدمات العلمية