صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى:

[42] وأحيط بثمره فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا

وأحيط بثمره أي: بإهلاكه فلم يبق له فيها ثمرة. قال الزمخشري : أحيط به عبارة عن إهلاكه. وأصله من (من أحاط به العدو) لأنه إذا أحاط به فقد ملكه واستولى عليه. ثم استعمل في كل إهلاك ومنه قوله تعالى: إلا أن يحاط بكم

ومثله قولهم: أتى عليه إذا أهلكه. من أتى عليهم العدو إذا جاءهم مستعليا عليهم. يعني أنه استعارة تمثيلية. شبه إهلاك جنتيه بما فيهما، بإهلاك قوم بجيش عدو أحاط بهم وأوقع بهم بحيث لم ينج أحد منهم. كما أن (أتى عليهم) بمعنى أهلكهم، استعارة أيضا، من إتيان عدو غالب مستعل عليهم بالقهر: فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها أي: فعير نفسه أكثر من تعييره صاحبه وتعيير صاحبه إياه. قال الزمخشري : تقليب الكفين كناية عن الندم والتحسر . لأن النادم يقلب كفيه ظهرا لبطن. كما كني عن ذلك بعض الكف، والسقوط في اليد. ولأنه في معنى الندم، عدي تعديته بــ(على) كأنه قيل فأصبح يندم على ما أنفق فيها، أي: في عمارتها. فيكون ظرفا لغوا. ويجوز كونه ظرفا مستقرا متعلقه خاص، وهو حال. أي: متحسرا. والتحسر الحزن. وهو أخص من الندم. لأنه [ ص: 4063 ] -كما قال الراغب- الغم على ما فات: وهي خاوية على عروشها أي: ساقطة عليها. و(العروش) جمع عرش وهو ما يصنع ليوضع عليه الشيء. فإذا سقط سقط ما عليه. يعني أن كرومها المعروشة، سقطت عروشها على الأرض وسقطت فوقها الكروم، بحيث قاربت أن تصير صعيدا زلقا: ويقول عطف على (يقلب): يا ليتني لم أشرك بربي أحدا أي: من الأوثان. وذلك أنه تذكر موعظة أخيه فعلم أنه أتي من جهة شركه وطغيانه. فتمنى لو لم يكن مشركا حتى لا يهلك الله بستانه.

التالي السابق


الخدمات العلمية