صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى:

[108] قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فهل أنتم مسلمون [109] فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون [110] إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون [111] وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين [112] قال رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون .

قل إنما يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد أي: ما يوحى إلي، إلا استئثاره تعالى بالوحدانية في الألوهية. ومعنى القصر على ذلك، أنه الأصل الأصيل، وما عداه راجع إليه في جنبه. فهو قصر دعائي: فهل أنتم مسلمون أي: منقادون لما يوحى من التوحيد، مستسلمون له: فإن تولوا أي: عن التوحيد: فقل آذنتكم على سواء أي: أعلمتكم وهديتكم على كلمة سواء بيننا وبينكم، نؤمن بها ونجني ثمرات سعادتها في الدارين. أو المعنى دللتكم على صراط مستقيم، وبلغتكم الأمر به. فإن آمنتم به فقد سعدتم، وإلا فإن وعد الجاحدين آتيكم، وليس بمصروف عنكم. وإن كنت لا أدري متى يكون ذلك، لأن الله تعالى لم يعلمني علمه، ولم يطلعني عليه كما قال: وإن أدري أي: وما أدري: أقريب [ ص: 4316 ] أم بعيد ما توعدون أي: من الفتح عليكم، وإيراث أرضكم غيركم، ولحوق الذل والصغار بعصيانكم: إنه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون أي: فسيجزيكم على ذلك: وإن أدري لعله فتنة لكم أي: وما أدري لعل تأخير جزائكم استدراج لكم، وزيادة في افتتانكم، أو ابتلاء لينظر كيف تعملون. فـ(الفتنة) إما مجاز عن الاستدراج بذكر السبب وإرادة المسبب، أو هو بمعناه الأصلي. فهو استعارة مصرحة. وقوله تعالى: ومتاع إلى حين أي: تمتيع لكم إلى أجل مقدور. والتمتيع بمعنى الإبقاء والتأخير: قال وقرئ: :" قل رب احكم بالحق " أي: افصل بيننا وبينهم بالحق. وذلك بنصر من آمن بما أنزلت، على من كفر به، كقوله تعالى: ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون أي: من الكذب والافتراء على الله ورسوله. بنصر أوليائه، وقهر أعدائه. وقد أجاب سبحانه دعوته، وأظهر كلمته، فله الحمد في الأولى والآخرة، إنه حميد مجيد.

قال الرازي : قال القاضي: إنما ختم الله هذه السورة بقوله: قال رب احكم بالحق لأنه عليه السلام كان قد بلغ في البيان لهم الغاية، وبلغوا النهاية في أذيته وتكذيبه. فكان قصارى أمره تعالى بذلك تسلية له وتعريفا أن المقصود مصلحتهم. فإذا أبوا إلا التمادي في كفرهم، فعليك بالانقطاع إلى ربك، ليحكم بينك وبينهم بالحق. إما بتعجيل العقاب بالجهاد أو بغيره. وإما بتأخير ذلك. فإن أمرهم، وإن تأخر فما هو كائن قريب. وما روي أنه عليه السلام كان يقول ذلك في حروبه، كالدلالة على أنه تعالى أمره أن يقول هذا القول، كالاستعجال للأمر بمجاهدتهم. وبالله التوفيق.

التالي السابق


الخدمات العلمية