صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[30] وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا .

وقال الرسول أي : إثر ما شاهد من عتوهم وعنادهم : يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا أي : متروكا ، معرضا عنه . وجملة : وقال الرسول عطف على : وقال الذين لا يرجون وما بينهما اعتراض ، سيقت لانتظام ما قالوه ، وطلب النصر عليهم واستنزال الفرج الإلهي مما أضاقوا به الصدور ، وجلبوه من الكدور ، وللإشارة إلى ما يحيق بهم من شقاء الدارين .

[ ص: 4575 ] تنبيه :

الآية ، وإن كانت في المشركين ، وإعراضهم هو عدم إيمانهم ، إلا أن نظمها الكريم مما يرهب عموم المعرضين عن العمل به ، والأخذ بآدابه . الذي هو حقيقة الهجر . لأن الناس إنما تعبدوا منه بذلك . إذ لا تؤثر تلاوته إلا لمن تدبرها . ولا يتدبرها إلا من يقوم بها ويتمسك بأحكامها .

ومن (فوائد ) الإمام ابن القيم رحمه الله . قوله في هذه الآية : هجر القرآن أنواع :

أحدها : هجر سماعه والإيمان به والإصغاء إليه .

والثاني : هجر العمل به والوقوف عند حلاله وحرامه ، وإن قرأه وآمن به .

والثالث : هجر تحكيمه والتحاكم إليه في أصول الدين وفروعه ، واعتقاد أنه لا يفيد اليقين ، وأن أدلته لفظية لا تحصل العلم .

والرابع : هجر الاستشفاء والتداوي به في جميع أمراض القلوب وأدوائها . فيطلب شفاء دائه من غيره ، ويهجر التداوي به .

قال : وكل هذا داخل في هذه الآية ، وإن كان بعض الهجر أهون من بعض . انتهى .

وفي (" الإكليل " ) : إن في الآية إشارة إلى التحذير من هجر المصحف وعدم تعاهد بالقراءة فيه . وكذا قال أبو السعود : فيه تلويح بأن من حق المؤمن أن يكون كثير التعاهد للقرآن ، كيلا يندرج تحت ظاهر النظم الكريم . ثم قال : وفيه من التحذير ما لا يخفى . فإن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، إذا شكوا إلى الله تعالى قومهم ، عجل لهم العذاب ولم ينظروا .

التالي السابق


الخدمات العلمية