صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[32 - 33] وقال الذين كفروا لولا نـزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا .

وقال الذين كفروا لولا نـزل عليه القرآن جملة واحدة أي : دفعة واحدة في وقت واحد . وقد بين سبحانه بطلان هذه المماراة والحمقاء بقوله : كذلك لنثبت به فؤادك أي : نقويه به على القيام بأعباء الرسالة ، والنهوض لنشر الحق بين قادة الجهالة . فإن ما يتواتر إنزاله لذلك ، أبعث للهمة وأثبت للعزيمة وأنهض للدعوة ، من نزوله مرة واحدة : ورتلناه ترتيلا أي : فصلناه تفصيلا بديعا ، لا يلحق شأوه ولا يدرك أمده .

قال القاشاني : الترتيل هو أن يتخلل بين كل نجم وآخر ، مدة يمكن فيها ترسخه في قلبه ، وأن يصير ملكة لا حالا : ولا يأتونك بمثل أي : بصفة عجيبة من باطلهم في قدح أو مقترح : إلا جئناك بالحق أي : الذي يقمع تلك الصفة . كما قال : بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه وأحسن تفسيرا أي : بيانا وهداية ، عناية بك [ ص: 4577 ] وبما أرسلت من أجله ، وخذلانا لأعداء الحق وخصوم الرشاد .

تنبيه :

يذكر المفسرون ها هنا أن الآية رد على الكفرة في طلبهم نزول القرآن جملة ، كنزول بقية الكتب جملة . ويرون أن القول بنزول بقية الكتب دفعة ، صحيح . فيأخذون لأجله في سر مفارقة التنزيل له . والحال أن القول بنزولها دفعة واحدة لا أصل له ، وليس عليه أثارة من علم ، ولا يصححه عقل . فإن تفريق الوحي وتمديد مدته بديهي الثبوت . لمقدار مكث النبي . إذ ما دام بين ظهراني قومه ، فالوحي يتوارد تنزله ضرورة . ومن راجع التوراة والإنجيل الموجودين ، يتجلى له ذلك واضحا لا مرية فيه . وعذر القائل به ظنه أن الآية تعريض بنزول غيره كذلك . وما كل كلام معرض به . وإنما الآية حكاية لاقتراح خاص ، وتعنت متفنن فيه . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية