صفحة جزء
[ ص: 728 ] القول في تأويل قوله تعالى:

[285] آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير .

آمن الرسول بما أنـزل إليه من ربه أي: صدقه بقبوله والتخلق به كما قالت عائشة: " كان خلقه القرآن " والترقي بمعانيه والتحقق: والمؤمنون أي: كذلك آمنوا.

قال الزجاج رحمه الله: لما ذكر الله عز وجل في هذه السورة فرض الصلاة والزكاة والصيام والحج والطلاق والحيض والإيلاء والجهاد وقصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والربا والدين، ختمها بقوله: آمن الرسول لتعظيمه وتصديق نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين لجميع ذلك المذكور قبله، وغيره ليكون تأكيدا له وفذلكة.

لطيفة:

قوله: والمؤمنون إما مبتدأ والجملة بعده خبر. أعني: كل آمن، والعائد إلى المبتدأ التنوين القائم مقام الضمير في " كل "، لأن من جملة العائد إلى المبتدأ التنوين النائب مناب الضمير، وإما معطوف على الرسول، فيكون التنوين راجعا إلى الرسول والمؤمنين، وقد اختار كثيرون الأول، ومنهم العلامة أبو السعود، وأطال في توجيهه. وعندي أن الوجه هو الثاني، [ ص: 729 ] لأن المقام لتعداد المؤمن به، وذلك يشترك فيه الرسول وأتباعه، وإن كان كنه إيمان الرسول لا يشاركه فيه غيره، فالمقام ليس مقام الخصوصية. والله أعلم.

كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق أي: يقولون: لا نفرق: بين أحد من رسله أي: برد بعض وقبول بعض، ولا نشك في كونهم على الحق وبالحق: وقالوا سمعنا أي: قولك وفهمناه: وأطعنا أي: امتثلنا أمرك وقمنا به واستقمنا عليه، ولما علموا أنهم لا يخلون من تقصير، وأن الرب يغفر لمن يشاء قالوا: غفرانك ربنا أي اغفر لنا غفرانك، أو نسألك غفرانك ذنوبنا، وتقديم ذكر السمع والطاعة على طلب الغفران لما أن تقديم الوسيلة على المسؤول أدعى إلى الإجابة والقبول: وإليك المصير أي: الرجوع بالموت والبعث لا إلى غيرك، وهو تذييل لما قبله مقرر للحاجة إلى المغفرة، لما أن الرجوع للحساب والجزاء.

التالي السابق


الخدمات العلمية