صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى:

[ 12، 13] له مقاليد السماوات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب .

[ ص: 5231 ] له مقاليد السماوات والأرض أي: مفاتيح الأرزاق وخزائن الملك والملكوت: يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي: يوسع رزقه وفضله على من يشاء من خلقه ويغنيه، ويقتر على آخرين: إنه بكل شيء عليم شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه اعلم أنه تعالى لما عظم وحيه إلى النبي صلى الله عليه وسلم لقوله: كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم ذكر في هذه الآية تفصيل ذلك، وهو ما شرعه له ولهم من الاتفاق على عبادته وحده لا شريك له كما قال: وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون وفي الحديث: «نحن معاشر الأنبياء أولاد علات ديننا واحد» . يعني: عبادة الله تعالى وحده لا شريك له ، وإن اختلفت شرائعهم ومناهجهم. كقوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا وتخصيص هؤلاء الخمسة، وهم أولو العزم عليهم السلام ، بالذكر؛ لأنهم أكابر الأنبياء وأصحاب الشرائع العظيمة والأتباع الكثيرة. ولاستمالة قلوب الكفرة، لاتفاق الكل على نبوة بعضهم. وابتدأ بنوح عليه السلام لأنه أول الرسل. والمعنى: شرع لكم من الدين [ ص: 5232 ] ما وصى به جميع الأنبياء من عهد نوح عليه السلام إلى زمن نبينا عليه الصلاة والسلام. والتعبير بالتوصية فيهم والوحي له، للإشارة إلى أن شريعته صلى الله عليه وسلم هي الشريعة الكاملة . ولذا عبر فيه ب: (الذي)، التي هي أصل الموصولات. وأضافه إليه بضمير العظمة، تخصيصا له ولشريعته بالتشريف وعظم الشأن وكمال الاعتناء. وهو السر في تقديمه على ما بعده مع تقدمه عليه زمانا: كبر على المشركين ما تدعوهم إليه أي: من إخلاص العبادة لله وإفراده بالألوهية والبراءة مما سواه من الأوثان: الله يجتبي إليه من يشاء وهو من صرف اختياره إلى ما دعي إليه: ويهدي إليه من ينيب أي: يوفق للعمل لطاعته واتباع رسله، من يقبل إلى طاعته، ويتوب من معاصيه. ثم أشار إلى أهل الكتاب، إثر بيان حال المشركين، بقوله:

التالي السابق


الخدمات العلمية