صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 115 ] وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين

وما يفعلوا من خير فلن يكفروه أي : لن يعدموا ثوابه . وإيثار صيغة المجهول للجري على سنن الكبرياء . وقرئ الفعلان بالخطاب : والله عليم بالمتقين فيوفيهم أجورهم وهؤلاء الموصوفون هم المذكورون في آخر السورة وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنـزل إليكم وما أنـزل إليهم خاشعين لله الآية .

تنبيه :

قال البقاعي : أرشد السياق إلى أن التقدير : وأكثرهم ليسوا بهذه الصفات . وقال الرازي : لما قال تعالى : من أهل الكتاب أمة قائمة كان تمام الكلام أن يقال : ومنهم [ ص: 944 ] أمة مذمومة . إلا أنه أضمر ذكر الأمة المذمومة على مذهب العرب من أن ذكر أحد الضدين يغني عن ذكر الضد الآخر . وتحقيقه : أن الضدين يعلمان معا . فذكر أحدهما يستقل بإفادة العلم بهما ، فلا جرم يحسن إهمال الضد الآخر ، قال أبو ذؤيب :


دعاني إليها القلب إني لأمره مطيع فما أدري أرشد طلابها



أراد : أم غي ، فاكتفى بذكر الرشد عن الغي ، وهذا قول الفراء وابن الأنباري . وقال الزجاج : لا حاجة إلى إضمار الأمة المذمومة لأن ذكرها قد جرى قبل ، ولأنا قد ذكرنا أن العلم بالضدين معا ، فذكر أحدهما مغن عن ذكر الآخر . كما يقال زيد وعمرو لا يستويان ، زيد عاقل دين ذكي ، فيغني هذا عن أن يقال : وعمرو ليس كذلك . فكذا ههنا . لما تقدم قوله : ليسوا سواء . أغنى عن ذلك الإضمار - انتهى ملخصا - أقول : لا مانع من كون الآية الآتية هي الشق الثاني المقابل للأول . فإن عنوان الذين كفروا مقابل بمفهومه لما قبله كما لا يخفى . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية