صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى :

[ 174 ] فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم

فانقلبوا أي : رجعوا من حمراء الأسد : بنعمة من الله وفضل يعني : العافية وكمال الشجاعة وزيادة الإيمان والتصلب في الدين : لم يمسسهم سوء أي : لم يصبهم قتل [ ص: 1040 ] ولا جراح : واتبعوا رضوان الله أي : في طاعة رسوله بخروجهم وجراءتهم : والله ذو فضل عظيم حيث تفضل عليهم بالعافية وما ذكر معها ، وبالحفظ عن كل ما يسوؤهم . وفيه تحسير للمتخلف وتخطئة رأيه حيث حرم نفسه ما فازوا به .

فائدة :

قال السيوطي في ( الإكليل ) : في قوله تعالى : وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل استحباب هذه الكلمة عند الغم والأمور العظيمة .

تنبيه :

حمل الآية على غزوة حمراء الأسد ، هو ما قاله الحسن وقتادة وعكرمة وغير واحد . وروي أنها نزلت في غزوة بدر الصغرى . قال ابن أبي نجيح عن مجاهد : في قوله تعالى : الذين قال لهم الناس الآية ، أن أبا سفيان قال - لما انصرف من أحد - : موعدكم بدر حيث قتلتم أصحابنا ! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : « عسى ! » فانطلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لموعده حتى نزل بدرا ، فوافقوا السوق فيها ، فابتاعوا ، فذلك قوله تعالى : فانقلبوا بنعمة من الله وفضل الآية - قال : وهي غزوة بدر الصغرى - رواه ابن جرير - وأخرج أيضا عن ابن جريج قال : لما عمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لموعد أبي سفيان ، فجعلوا يلقون المشركين فيسألونهم عن قريش ، فيقولون : قد جمعوا لكم ؛ يكيدونهم بذلك ، يريدون أن يرعبوهم ، فيقول المؤمنون : حسبنا الله ونعم الوكيل حتى قدموا بدرا ، فوجدوا أسواقها عافية ، لم ينازعهم فيها أحد .

وروى البيهقي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله : فانقلبوا بنعمة من الله وفضل قال : النعمة أنهم سلموا ، والفضل أن عيرا مرت في أيام الموسم ، فاشتراها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فربح فيها مالا ، فقسمه بين أصحابه .

قال ابن القيم في ( الهدي ) : إن أبا سفيان قال عند انصرافه من أحد : موعدكم وإيانا العام القابل ببدر ، فلما كان شعبان ، وقيل : ذو القعدة من العام القابل ، خرج رسول الله [ ص: 1041 ] صلى الله عليه وسلم لموعده في ألف وخمسمائة ، وكانت الخيل عشرة أفراس ، وحمل لواءه علي بن أبي طالب ، واستخلف على المدينة عبد الله بن رواحة ، فانتهى إلى بدر ، فأقام به ثمانية أيام ينتظر المشركين ، وخرج أبو سفيان بالمشركين من مكة ، وهم ألفان ، ومعهم خمسون فرسا ، فلما انتهوا إلى مر الظهران - مرحلة من مكة - قال لهم أبو سفيان : إن العام عام جدب ، وقد رأيت أن أرجع بكم ، فانصرفوا راجعين ، وأخلفوا الموعد ، فسميت هذه : بدر الموعد ، وتسمى : بدر الثانية - انتهى - .

قال ابن كثير : والصحيح أن الآية نزلت في شأن غزوة حمراء الأسد .

التالي السابق


الخدمات العلمية