صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى:

ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا [66]

ولو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم قال الرازي : اعلم أن هذه الآية متصلة بما تقدم من أمر المنافقين وترغيبهم في الإخلاص وترك النفاق، والمعنى: إنا لو شددنا التكليف على الناس نحو أن نأمرهم بالقتل والخروج عن الأوطان لصعب ذلك عليهم، ولما فعله إلا الأقلون، وحينئذ يظهر كفرهم وعنادهم، [ ص: 1383 ] فلما لم نفعل ذلك؛ رحمة منا على عبادنا، بل اكتفينا بتكليفهم في الأمور السهلة، فليقبلوها بالإخلاص، وليتركوا التمرد والعناد، حتى ينالوا خير الدارين. انتهى.

ونقله فيما بعد عن ابن عباس ، وعليه فمرجع الضمير في (عليهم) إلى المنافقين، وثمة وجه آخر، وهو عوده إلى الناس كافة، ويكون المراد بـ(القليل) المؤمنين، وأما الضمير في قوله: ولو أنهم فعلوا فهو مختص بالمنافقين، ولا يبعد أن يكون أول الآية عاما وآخرها خاصا، قرره الرازي .

روى ابن جريج بسنده إلى أبي إسحاق السبيعي قال: لما نزلت: ولو أنا كتبنا عليهم الآية، قال رجل: لو أمرنا لفعلنا، والحمد لله الذي عافانا، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن من أمتي لرجالا الإيمان أثبت في قلوبهم من الجبال الرواسي ورواه ابن أبي حاتم نحوه.

وأسند عن السدي قال: افتخر ثابت بن قيس بن شماس ورجل من اليهود، فقال اليهودي: والله لقد كتب الله علينا القتل فقتلنا أنفسنا، فقال ثابت : والله لو كتب علينا أن اقتلوا أنفسكم لفعلنا، فنزلت الآية.

وأسند أيضا عن عامر بن عبد الله بن الزبير أن هذه الآية لما نزلت قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لو نزلت لكان ابن أم عبد منهم.

وأسند أيضا عن شريح بن عبيد قال: لما تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية أشار بيده إلى عبد الله بن رواحة فقال: لو أن الله كتب ذلك لكان هذا من أولئك القليل.

التالي السابق


الخدمات العلمية