صفحة جزء
[ ص: 1441 ] القول في تأويل قوله تعالى:

ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم كل ما ردوا إلى الفتنة أركسوا فيها فإن لم يعتزلوكم ويلقوا إليكم السلم ويكفوا أيديهم فخذوهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا [91]

ستجدون أقواما آخرين يريدون بإظهار الإسلام لكم أن يأمنوكم أي: على أنفسهم ويأمنوا قومهم بإظهار الكفر كل ما ردوا إلى الفتنة أي: دعوا إلى الارتداد والشرك أركسوا فيها أي: رجعوا إليها منكوسين على رؤوسهم.

فإن لم يعتزلوكم أي: يتنحوا عنكم جانبا بأن لم يكونوا معكم ولا عليكم ويلقوا إليكم السلم أي: ولم يلقوا الانقياد ويكفوا أيديهم أي: عن قتالكم فخذوهم أي: اتسروهم واقتلوهم حيث ثقفتموهم أي: وجدتموهم في داركم أو دارهم وأولئكم جعلنا لكم عليهم سلطانا مبينا أي: حجة واضحة في الإيقاع بهم قتلا وسبيا؛ لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر، وإضرارهم بأهل الإسلام، أو تسلطا ظاهرا، حيث أذنا لكم في أخذهم وقتلهم.

تنبيهان:

الأول: قال ابن كثير : هؤلاء الآخرون - في الصورة الظاهرة - كمن تقدمهم ولكن نية هؤلاء غير نية أولئك، فإن هؤلاء قوم منافقون يظهرون للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأصحابه الإسلام؛ ليأمنوا بذلك عندهم على دمائهم وأموالهم وذراريهم، ويصانعون الكفار في الباطن، فيعبدون معهم ما يعبدون؛ ليأمنوا بذلك عندهم، وهم في الباطن مع أولئك، كما قال تعالى: [ ص: 1442 ] وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم [البقرة: من الآية 14] الآية.

وحكى ابن جرير عن مجاهد أنها نزلت في قوم من أهل مكة ، كانوا يأتون النبي - صلى الله عليه وسلم - فيسلمون رياء، ثم يرجعون إلى قريش فيرتكسون في الأوثان، يبتغون بذلك أن يأمنوا ههنا وههنا، فأمر بقتلهم إن لم يعتزلوا ويصلحوا.

الثاني: قال الرازي : قال الأكثرون: في الآية دلالة على أنهم إذا اعتزلوا قتالنا وطلبوا الصلح منا وكفوا أيديهم عن إيذائنا - لم يجز لنا قتالهم ولا قتلهم، ونظيره قوله تعالى: لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم [الممتحنة: من الآية 8] وقوله تعالى: وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم [البقرة: من الآية 190] فخص الأمر بالقتال لمن يقاتلنا دون من لم يقاتلنا.

التالي السابق


الخدمات العلمية