صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى:

[9] ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون

ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا جواب ثان. أي: ولو جعلنا النذير الذي اقترحوه ملكا لمثلناه رجلا، لما مر من عدم استطاعة الآحاد لمعاينة الملك على صورته، من النور. وإنما رآه كذلك الأفراد من الأنبياء بقوتهم القدسية وللبسنا عليهم ما يلبسون جواب محذوف. أي: ولو جعلناه رجلا لشبهنا عليهم ما يشبهون على أنفسهم حينئذ، بأن يقولوا له: إنما أنت بشر، ولست بملك. ولو استدل على ملكيته بالقرآن المعجز، الناطق بها، أو بمعجزات أخر غير ملجئة إلى التصديق - لكذبوه، كما كذبوا النبي عليه الصلاة والسلام. ولو أظهر لهم صورته الأصلية لزم ما تقدم من قضاء الأمر.

تنبيهات:

الأول: في إيثار (رجلا) على (بشرا) إيذان بأن الجعل بطريق التمثيل، لا بطريق قلب الحقيقة، وتعيين لما يقع به التمثيل.

الثاني: في الآية بيان لرحمته تعالى بخلقه، وهو أنه يرسل إلى كل صنف من الخلائق [ ص: 2251 ] رسلا منهم، ليدعو بعضهم بعضا، وليمكن بعضهم أن ينتفع ببعض في المخاطبة والسؤال. كما قال تعالى: لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم الآية. وقال تعالى: قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنـزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا

الثالث: التعبير عن تمثيله تعالى رجلا باللبس إما لكونه في صورة اللبس، أو لكونه سببا للبسهم، أو لوقوعه في صحبته بطريق المشاكلة. وفيه تأكيد لاستحالة جعل النذير ملكا، كأنه قيل: لو فعلناه ما لا يليق بشأننا من لبس الأمر عليهم. أفاده أبو السعود.

الرابع: جوز بعضهم وجها ثانيا في قوله تعالى: ولو جعلناه ملكا وهو أن يكون جواب اقتراح ثان، على أن الضمير عائد للرسول، لا لمقترحهم السابق. قال: لأنهم تارة يقولون: لولا أنزل عليه ملك وتارة يقول: لو شاء ربنا لأنزل ملائكة . والمعنى: ولو جعلنا الرسول ملكا لمثلناه رجلا. والظاهر هو الوجه الأول.

التالي السابق


الخدمات العلمية