صفحة جزء
187- قوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم فيه إباحة الجماع وسائر أنواع الاستمتاع للصائم ليلا.

قوله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن قيل: إنه كناية عن المعانقة. قوله تعالى: فالآن باشروهن إلى قوله: من الفجر فيه إباحة الجماع وأنواع المباشرة والأكل والشرب إلى تبين الفجر وتحريم المذكورات نهارا ، واستدل به على صحة صوم الجنب; لأنه يلزم من إباحة الجماع إلى تبين الفجر إباحته في آخر جزء من أجزاء الليل ، ويلزم من ذلك بطريق الإشارة طلوع الفجر وهو جنب. ومن منعه قال: إن الغاية متعلقة بكلوا واشربوا دون باشروهن وقد يستدل به بالطريق المذكورة على أنه لا يجب [ ص: 42 ] تجديد النية إذا جامع أو أكل بعدها واستدل به على جواز لمن شك في طلوع الفجر; لأنه تعالى أباح الأكل إلى التبين مع الشك خلافا لمالك ، واستدل به مجاهد على عدم القضاء والحالة هذه إذا بان أنه أكل بعد الفجر; لأنه أكل في وقت أذن له فيه. وأخرج سعيد بن منصور عنه قال: إذا تسحر الرجل وهو يرى أن عليه ليلا وقد كان طلع الفجر فليتم صومه; لأن الله تعالى يقول: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم وإذا أكل وهو يرى أن الشمس غابت ولم تغب فليقضه; لأن الله تعالى يقول: ثم أتموا الصيام إلى الليل واستدل به اللخمي على إجزاء النية مع الفجر; لأنه إذا كان الأكل مباحا إلى الفجر لم تجب النية إلا في الموضع الذي فيه الإمساك ، واستدل به قوم على صحة صوم من طلع عليه الفجر وهو يجامع فنزع في الحال أو في فيه طعام فلفظه بطريق الإشارة السابقة. قلت: ويستدل بقوله: حتى يتبين لكم على أن المراد بالفجر في الصوم ونحوه من الأحكام ما يظهر لنا لا ما في نفس الأمر ، وبقوله: الخيط الأبيض من الخيط الأسود على أن المراد بالفجر المعترض دون المستطيل ، بقرينة قوله: الخيط كما لا يخفى ، وفي الآية رد على من جعل أول الصيام لأمن طلوع الشمس وقوله: وابتغوا ما كتب الله لكم فسره ابن عباس في رواية بالولد وفي أخرى بليلة القدر أخرجهما ابن أبي حاتم ففيه استحباب طلب ليلة القدر وأن ينوي بالجماع النسل ولإقامة السنة دون مجرد اللذة ، وقال قتادة: وابتغوا الرخصة التي كتب الله لكم ، ففيه كراهية ترك الرخصة واستحباب فعلها.

قوله تعالى: ثم أتموا الصيام إلى الليل استدل بعمومه على الإفطار باليسير وبما لا يغذي ، واستدل به على أنه لا يجوز الأكل لمن شك في الغروب وعلى تحريم الوصال. روى أحمد من طريق ليلى امرأة بشير بن الخصاصية قالت: أردت أن أصوم يومين مواصلة فمنعني بشير وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقال يفعل ذلك النصارى ولكن صوموا كما أمر الله: ثم أتموا الصيام إلى الليل فإذا كان الليل فأفطروا. وروى الطبراني في الأوسط بسند لا بأس به عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم واصل يومين فأتاه جبريل فقال: إن الله قبل وصالك ولا يحل أحد بعدك وذلك بأن الله قال: ثم أتموا الصيام إلى الليل فلا صيام بعد الليل.

[ ص: 43 ] قوله تعالى: ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد فيه مشروعية الاعتكاف واختصاصه بالمسجد وعدم اختصاص بالجامع أو المساجد الثلاثة وتحريم المباشرة فيه جماعا وغيره ، واستدل به بعضهم على أنه إذا خرج من المسجد فجامع خارجا لا يبطل اعتكافه لأن حصر المنع من المباشرة حال كونه في المساجد ، قال الكيا: ويجاب بأن معناه لا تباشروهن حال ما يقال لكم إنكم عاكفون في المساجد ، ومن خرج من المسجد لقضاء الحاجة فاعتكافه باق. استدل به لعضهم على أن الاعتكاف يصح في غير المسجد وأن تحريم المباشرة خاص بمن اعتكف في المسجد فاعتبر مفهوم: في المساجد والجمهور اعتبروا مفهوم: " عاكفين " . واستدل به أبو حنيفة على صحة اعتكاف المرأة في غير المسجد دون الرجل ، بناء على أنها لا تدخل في خطاب الرجال وعلى اشتراط الصوم في الاعتكاف لأنه قصر الخطاب على الصائمين فلو لم يكن الصوم من شرط الاعتكاف لم يكن لذلك معنى وعلى أنه لا يكفي فيه أقل من يوم كما أن الصوم لا يكون أقل من يوم.

التالي السابق


الخدمات العلمية