صفحة جزء
[ ص: 605 ] سئل شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص فأشار عليه رجل . فقال هذه الأبيات :

أنكروا رقصا وقالوا حرام فعليهم من أجل ذاك سلام     اعبد الله يا فقيه وصل
والزم الشرع فالسماع حرام     بل حرام عليك ثم حلال
عند قوم أحوالهم لا تلام     مثل قوم صفوا وبان لهم من
جانب الطور جذوة وكلام     فإذا قوبل السماع بلهو
فحرام على الجميع حرام




فأجاب : الحمد لله رب العالمين .

هذا الشعر يتضمن منكرا من القول وزورا ; بل أوله يتضمن مخالفة الشريعة وآخره يفتح باب الزندقة والإلحاد والمخالفة للحقيقة الإلهية الدينية النبوية .

وذلك أن قول القائل :

مثل قوم صفوا وبان لهم من جانب الطور جذوة وكلام

[ ص: 606 ] يتضمن تمثيل هؤلاء بموسى بن عمران الذي نودي من جانب الطور ولما رأى النار { قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون } .

وهذا قول طائفة من الناس يسلكون طريق الرياضة والتصفية ويظنون أنهم بذلك يصلون إلى أن يخاطبهم الله كما خاطب موسى بن عمران وهؤلاء ثلاثة أصناف : " صنف " يزعمون أنهم يخاطبون بأعظم مما خوطب به موسى بن عمران .

كما يقول ذلك من يقوله من أهل الوحدة والاتحاد القائلين بأن الوجود واحد .

كصاحب " الفصوص " وأمثاله .

فإن هؤلاء يدعون أنهم أعلى من الأنبياء وأن الخطاب الذي يحصل لهم من الله أعلى مما يحصل لإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام ومعلوم أن هذا الكفر أعظم من كفر اليهود والنصارى الذين يفضلون الأنبياء على غيرهم لكن يؤمنون ببعض الأنبياء ويكفرون ببعض .

و " النوع الثاني " من يقول إن الله يكلمه مثل كلام موسى بن عمران كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة والمتصوفة الذين [ ص: 607 ] يقولون : إن تكليم موسى فيض فاض على قلبه من العقل الفعال ويقولون : إن النبوة مكتسبة .

و " النوع الثالث " : الذين يقولون : إن موسى أفضل لكن صاحب الرياضة قد يسمع الخطاب الذي سمعه موسى ; ولكن موسى مقصودا بالتكليم دون هذا كما يوجد هذا في أخبار صاحب " مشكاة الأنوار " وكذلك سلك مسلكه صاحب " خلع النعلين " وأمثالهما .

وأما قوله في أول الشعر لمن يخاطبه :

" الزم الشرع يا فقيه وصل

" يشعر بأنك أنت تبع الشرع وأما نحن فلنا إلى الله طريق غير الشرع ومن ادعى أن له طريقا إلى الله يوصله إلى رضوان الله وكرامته وثوابه غير الشريعة التي بعث الله بها رسوله فإنه أيضا كافر يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه : كطائفة أسقطوا التكليف وزعموا أن العبد يصل إلى الله بلا متابعة الرسل .

و " طائفة " يظنون أن الخواص من الأولياء يستغنون عن متابعة محمد صلى الله عليه وسلم كما استغنى الخضر عن متابعة موسى وجهل هؤلاء أن موسى لم يكن مبعوثا إلى الخضر ومحمد صلى الله عليه وسلم رسول إلى كل أحد ظاهرا وباطنا مع أن قضية الخضر لم تخالف شريعة موسى ; بل وافقتها ولكن الأسباب المبيحة للفعل لم يكن موسى علمها فلما علمها تبين أن الأفعال توافق شريعته لا تخالفها .

التالي السابق


الخدمات العلمية