صفحة جزء
[ ص: 381 ] وسئل رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم { من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار } " فاختلاف المفسرين في آية واحدة إن كان بالرأي فكيف النجاة ؟ وإن لم يكن بالرأي فكيف وقع الاختلاف والحق لا يكون في طرفي نقيض أفتونا . ؟


فأجاب رحمه الله تعالى ينبغي أن يعلم أن الاختلاف الواقع من المفسرين وغيرهم على وجهين : " أحدهما " ليس فيه تضاد وتناقض ; بل يمكن أن يكون كل منهما حقا وإنما هو اختلاف تنوع أو اختلاف في الصفات أو العبادات وعامة الاختلاف الثابت عن مفسري السلف من الصحابة والتابعين هو من هذا الباب فإن الله سبحانه إذا ذكر في القرآن اسما مثل قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } فكل من المفسرين يعبر عن الصراط المستقيم بعبارة يدل بها على بعض صفاته وكل ذلك حق بمنزلة ما يسمى الله ورسوله وكتابه بأسماء كل اسم منها يدل على صفة من صفاته فيقول بعضهم : { الصراط المستقيم } كتاب الله أو اتباع كتاب الله [ ص: 382 ] ويقول الآخر : { الصراط المستقيم } هو الإسلام أو دين الإسلام ويقول الآخر : { الصراط المستقيم } هو السنة والجماعة ويقول الآخر : { الصراط المستقيم } طريق العبودية أو طريق الخوف والرجاء والحب وامتثال المأمور واجتناب المحظور أو متابعة الكتاب والسنة أو العمل بطاعة الله أو نحو هذه الأسماء والعبارات .

ومعلوم أن المسمى هو واحد وإن تنوعت صفاته وتعددت أسماؤه وعباراته كما إذا قيل : محمد هو أحمد وهو الحاشر وهو الماحي وهو العاقب وهو خاتم المرسلين وهو نبي الرحمة وهو نبي الملحمة .

وكذلك إذا قيل : القرآن هو الفرقان والنور والشفاء والذكر الحكيم والكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت .

وكذلك أسماء الله الحسنى { هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم } وهو { الذي خلق فسوى } { والذي قدر فهدى } { والذي أخرج المرعى } { فجعله غثاء أحوى } { هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم } { هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر } { هو الله الخالق البارئ المصور } وأمثال ذلك .

[ ص: 383 ] فهو سبحانه واحد صمد وأسماؤه الحسنى تدل كلها على ذاته ويدل هذا من صفاته على ما لا يدل عليه الآخر فهي متفقة في الدلالة على الذات متنوعة في الدلالة على الصفات ; فالاسم يدل على الذات والصفة المعينة بالمطابقة ويدل على أحدهما بطريق التضمن وكل اسم يدل على الصفة التي دل عليها بالالتزام ; لأنه يدل على الذات المتكنى به جميع الصفات فكثير من التفسير والترجمة تكون من هذا الوجه .

ومنه " قسم آخر " وهو أن يذكر المفسر والمترجم معنى اللفظ على سبيل التعيين والتمثيل لا على سبيل الحد والحصر مثل أن يقول قائل من العجم : ما معنى الخبز ؟ فيشار له إلى رغيف وليس المقصود مجرد عينه وإنما الإشارة إلى تعيين هذا الشخص .

وهذا كما إذا سئلوا عن قوله : { فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات } أو عن قوله : { إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون } أو عن الصالحين أو الظالمين ونحو ذلك من الأسماء العامة الجامعة التي قد يتعسر أو يتعذر على المستمع أو المتكلم ضبط مجموع معناه ; إذ لا يكون محتاجا إلى ذلك فيذكر له من أنواعه وأشخاصه ما يحصل به غرضه وقد يستدل به على نظائره .

فإن الظالم لنفسه : هو تارك المأمور فاعل المحظور و " المقتصد " [ ص: 384 ] هو فاعل الواجب وتارك المحرم و " السابق " هو فاعل الواجب والمستحب وتارك المحرم والمكروه .

فيقول المجيب بحسب حاجة السائل : " الظالم " الذي يفوت الصلاة والذي لا يسبغ الوضوء أو الذي لا يتم الأركان ونحو ذلك و " المقتصد " الذي يصلي في الوقت كما أمر و " السابق بالخيرات " الذي يصلي الصلاة بواجباتها ومستحباتها ويأتي بالنوافل المستحبة معها وكذلك يقول مثل هذا في الزكاة والصوم والحج وسائر الواجبات .

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : التفسير على أربعة أوجه : تفسير تعرفه العرب من كلامها وتفسير لا يعذر أحد بجهالته وتفسير يعلمه العلماء وتفسير لا يعلمه إلا الله فمن ادعى علمه فهو كاذب .

والصحابة أخذوا عن الرسول لفظ القرآن ومعناه كما أخذوا عنه السنة وإن كان من الناس من غير السنة فمن الناس من غير بعض معاني القرآن ; إذ لم يتمكن من تغيير لفظه .

و " أيضا " : فقد يخفى على بعض العلماء بعض معاني القرآن كما خفي عليه بعض السنة ; فيقع خطأ المجتهدين من هذا الباب . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية