[ ص: 203 ] وللشيخ رحمه الله في 
قوله تعالى { إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين  } هذا هو الصواب الذي عليه جمهور المفسرين : 
كابن عباس  وسعيد بن جبير  وعكرمة  والنخعي   ; 
وأهل اللغة  كالفراء  وابن قتيبة  والزجاج  وابن الأنباري  وعبارة 
الفراء   : يخوفكم بأوليائه كما قال : { 
لينذر بأسا شديدا من لدنه  } ببأس شديد . وقوله : { 
لينذر يوم التلاق  } وعبارة 
الزجاج   : يخوفكم من أوليائه . 
قال 
ابن الأنباري   : والذي نختاره في الآية يخوفكم أولياءه . تقول 
العرب   : أعطيت الأموال : أي أعطيت القوم الأموال فيحذفون المفعول الأول ويقتصرون على ذكر الثاني . وهذا لأن الشيطان يخوف الناس أولياءه تخويفا مطلقا ليس له في تخويف ناس بناس ضرورة فحذف الأول ليس مقصودا وهذا يسمى حذف اختصار كما يقال : فلان يعطي الأموال والدراهم . 
وقد قال بعض المفسرين : يخوف أولياءه المنافقين ونقل هذا  
[ ص: 204 ] عن 
الحسن  والسدي  وهذا له وجه سنذكره ; لكن الأول أظهر لأن الآية إنما نزلت بسبب تخويفهم من الكفار كما قال قبلها : { 
الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا  } الآيات . ثم قال : { 
فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين  } فهي إنما نزلت فيمن خوف المؤمنين من الناس . 
وقد قال : { 
يخوف أولياءه  } ثم قال : { 
فلا تخافوهم  } والضمير عائد إلى أولياء الشيطان الذين قال فيهم : { 
فاخشوهم  } قبلها . وأما ذلك القول فالذي قاله فسرها من جهة المعنى وهو أن الشيطان إنما يخوف أولياءه بالمؤمنين ; لأن سلطانه على أوليائه بخوف يدخل عليهم المخاوف دائما فالمخاوف منصبة إليهم محيطة بقولهم وإن كانوا ذوي هيئات وعدد وعدد فلا تخافوهم . 
وأما المؤمنون فهم متوكلون على الله لا يخوفهم الكفار أو أنهم أرادوا المفعول الأول : أي يخوف المنافقين أولياءه وإلا فهو يخوف الكفار كما يخوف المنافقين ولو أنه أريد أنه يخوف أولياءه : أي يجعلهم خائفين لم يكن للضمير ما يعود عليه وهو قوله : { 
فلا تخافوهم  } . وأيضا فهذا فيه نظر ; فإن الشيطان يعد أولياءه ويمنيهم كما قال :  
[ ص: 205 ] تعالى : { 
وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم  } وقال تعالى : { 
يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا  } 
. ولكن الكفار يلقي الله في قلوبهم الرعب من المؤمنين والشيطان لا يختار ذلك . قال تعالي : { 
لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله  } وقال : { 
إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب  } وقال : { 
سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله  } . وفي حديث قرطبة أن 
جبريل  قال : " إني ذاهب إليهم فمزلزل بهم الحصن " فتخويف الكفار والمنافقين وإرعابهم هو من الله نصرة للمؤمنين . ولكن الذين قالوا ذلك من 
السلف  أرادوا أن الشيطان يخوف الذين أظهروا الإسلام فهم يوالون العدو فصاروا بذلك منافقين وإنما يخاف من الكفار المنافقون بتخويف الشيطان لهم كما قال تعالى : { 
ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون  } وقال تعالى { 
فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت  } الآيات . إلى قوله : { 
يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم  } فكلا القولين صحيح من حيث المعنى ; لكن لفظ أوليائه هم الذين يجعلهم الشيطان مخوفين لا خائفين كما دل عليه سياق  
[ ص: 206 ] الآية ولفظها . والله أعلم . 
وإذا جعلهم الشيطان مخوفين فإنما يخافهم من خوفه الشيطان منهم فجعله خائفا . فالآية دلت على أن الشيطان يجعل أولياءه مخوفين ويجعل ناسا خائفين منهم . 
ودلت الآية على أن 
المؤمن لا يجوز له أن يخاف أولياء الشيطان ولا يخاف الناس  . كما قال تعالى : { 
فلا تخشوا الناس واخشون  } بل يجب عليه أن يخاف الله فخوف الله أمر به وخوف الشيطان وأوليائه نهى عنه . وقال تعالى : { 
لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني  } فنهى عن خشية الظالم وأمر بخشيته والذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله . 
وقال : { 
وإياي فارهبون  } . 
وبعض الناس يقول : يا رب إني أخافك وأخاف من لا يخافك وهذا كلام ساقط لا يجوز ; بل على العبد أن يخاف الله وحده ولا يخاف أحدا لا من يخاف الله ولا من لا يخاف الله ; فإن من لا يخاف الله أخس وأذل أن يخاف فإنه ظالم وهو من أولياء الشيطان فالخوف منه قد نهى الله عنه والله أعلم .