صفحة جزء
[ ص: 121 ] ما تقول السادة العلماء - أئمة الدين وهداة المسلمين : -

في كتاب بين أظهر الناس زعم مصنفه أنه وضعه وأخرجه للناس بإذن النبي صلى الله عليه وسلم في منام زعم أنه رآه ; وأكثر كتابه ضد لما أنزله الله من كتبه المنزلة وعكس وضد عن أقوال أنبيائه المرسلة ; فمما قال فيه : إن آدم عليه السلام إنما سمي إنسانا لأنه للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر .

وقال في موضع آخر : إن الحق المنزه هو الخلق المشبه . وقال في قوم نوح عليه السلام إنهم لو تركوا عبادتهم لود وسواع ويغوث ويعوق ونسر : لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء . ثم قال : فإن للحق في كل معبود وجها يعرفه من عرفه ويجهله من جهله . فالعالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى [ عبد ] وأن التفريق والكثرة : كالأعضاء في الصورة المحسوسة .

ثم قال في قوم هود عليه السلام بأنهم حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق مما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة فإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها وكانوا على صراط الرب المستقيم .

[ ص: 122 ] ثم إنه أنكر فيه حكم الوعيد في حق كل من حقت [ عليه ] كلمة العذاب من سائر العبيد فهل يكفر من يصدقه في ذلك أم لا ؟ أو يرضى به منه أم لا ؟ وهل يأثم سامعه إذا كان عاقلا بالغا ولم ينكره بلسانه أو بقلبه أم لا ؟ أفتونا بالوضوح والبيان كما أخذ الميثاق للتبيان فقد أضر الإهمال بالضعفاء والجهال والله المستعان وعليه الاتكال أن يعجل بالملحدين النكال ; لصلاح الحال وحسم مادة الضلال .


فأجاب : -

الحمد لله - هذه الكلمات المذكورة المنكورة : كل كلمة منها هي من الكفر الذي لا نزاع فيه بين أهل الملل من المسلمين ; واليهود والنصارى ; فضلا عن كونه كفرا في شريعة الإسلام .

فإن قول القائل : إن آدم للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر : يقتضي أن آدم جزء من الحق تعالى وتقدس وبعض منه وأنه أفضل أجزائه وأبعاضه ; وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم وهو معروف من أقوالهم .

الكلمة الثانية : توافق ذلك وهو قوله : إن الحق المنزه هو الخلق المشبه .

ولهذا قال في تمام ذلك : فالأمر الخالق المخلوق والأمر المخلوق الخالق كل ذلك من عين واحدة لا بل هو العين الواحدة وهو العيون الكثيرة { فانظر ماذا ترى } { يا أبت افعل ما تؤمر } والولد عين أبيه فما رأى يذبح [ ص: 123 ] سوى نفسه ففديناه بذبح عظيم فظهر بصورة كبش : من ظهر بصورة إنسان وظهر بصورة ; لا بحكم ولد من هو عين الوالد { وخلق منها زوجها } فما نكح سوى نفسه .

وقال في موضع : وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال : إن العالم صورته وهويته .

وقال : ومن أسمائه الحسنى العلي على من وما ثم إلا هو وعن ماذا وما هو إلا هو فعلوه لنفسه وهو من حيث الوجود عين الموجودات .

فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو . إلى أن قال : فهو عين ما ظهر وهو عين ما بطن في حال ظهوره وما ثم من يراه غيره وما ثم من ينطق عنه سواه فهو ظاهر لنفسه باطن عنه - وهو المسمى أبو سعيد الخراز - وغير ذلك من أسماء المحدثات .

إلى أن قال : فالعلي لنفسه : هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية سواء كانت محمودة عرفا وعقلا وشرعا أو مذمومة عرفا وعقلا وشرعا وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة . وقال : ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات ؟ وأخبر بذلك عن نفسه وبصفات النقص والذم ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق فهي من أولها إلى آخرها صفات له كما هي صفات المحدثات حق للحق وأمثال هذا الكلام .

فإن صاحب هذا الكتاب المذكور الذي هو فصوص الحكم وأمثاله [ ص: 124 ] مثل صاحبه القونوي والتلمساني وابن سبعين والششتري وابن الفارض وأتباعهم ; مذهبهم الذي هم عليه : أن الوجود واحد ; ويسمون أهل وحدة الوجود ويدعون التحقيق والعرفان وهم يجعلون وجود الخالق عين وجود المخلوقات فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن وقبيح ومدح وذم إنما المتصف به عندهم : عين الخالق وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها أصلا ; بل عندهم ما ثم غير أصلا للخالق ولا سواه .

ومن كلماتهم : ليس إلا الله . فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم لأنه ما عندهم له غير ; ولهذا جعلوا قوله تعالى { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } بمعنى قدر ربك أن لا تعبدوا إلا إياه ; إذ ليس عندهم غير له تتصور عبادته فكل عابد صنم إنما عبد الله .

ولهذا جعل صاحب هذا الكتاب : عباد العجل مصيبين وذكر أن موسى أنكر على هارون إنكاره عليهم عبادة العجل . وقال : كان موسى أعلم بالأمر من هارون ; لأنه علم ما عبده أصحاب العجل ; لعلمه بأن الله قد قضى أن لا يعبدوا إلا إياه وما حكم الله بشيء إلا وقع ; فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره وعدم اتباعه فإن العارف من يرى الحق في كل شيء بل يراه عين كل شيء .

ولهذا يجعلون فرعون من كبار العارفين المحققين وأنه كان مصيبا في دعواه الربوبية . كما قال في هذا الكتاب : ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت وأنه جار في العرف الناموسي لذلك . قال : { أنا ربكم الأعلى } [ ص: 125 ] أي وإن كان الكل أربابا بنسبة ما : فأنا الأعلى منهم ; بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيهم .

ولما علمت السحرة صدق فرعون فيما قاله : لم ينكروه ; بل أقروا له بذلك وقالوا له : { فاقض ما أنت قاض } فالدولة لك فصح قول فرعون : { أنا ربكم الأعلى } وأنه كان عين الحق .

ويكفيك معرفة بكفرهم : أن من أخف أقوالهم أن فرعون مات مؤمنا ; بريا من الذنوب كما قال : وكان موسى قرة عين لفرعون بالإيمان الذي أعطاه الله عند الغرق فقبضه طاهرا مطهرا ليس فيه شيء من الخبث لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئا من الآثام والإسلام يجب ما قبله .

وقد علم بالاضطرار من دين أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى : أن فرعون من أكفر الخلق بالله ; بل لم يقص الله في القرآن قصة كافر باسمه الخاص أعظم من قصة فرعون ولا ذكر عن أحد من الكفار من كفره وطغيانه وعلوه : أعظم مما ذكر عن فرعون .

وأخبر عنه وعن قومه أنهم يدخلون أشد العذاب فإن لفظ آل فرعون : كلفظ آل إبراهيم وآل لوط وآل داود وآل أبي أوفى ; يدخل فيها المضاف باتفاق الناس فإذا جاءوا إلى أعظم عدو لله من الإنس أو من هو من أعظم أعدائه : فجعلوه مصيبا محقا فيما كفره به الله : علم أن ما قالوه أعظم من كفر اليهود والنصارى فكيف بسائر مقالاتهم ؟ .

[ ص: 126 ] وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها : على أن الخالق تعالى بائن من مخلوقاته ليس في ذاته شيء من مخلوقاته ولا في مخلوقاته شيء من ذاته .

والسلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا إنه في كل مكان وكان مما أنكروه عليهم : أنه كيف يكون في البطون والحشوش والأخلية ؟ تعالى الله عن ذلك . فكيف بمن يجعله نفس وجود البطون والحشوش والأخلية والنجاسات والأقذار ؟ .

واتفق سلف الأمة وأئمتها : أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته . ولا في أفعاله وقال : من قال من الأئمة من شبه الله بخلقه فقد كفر ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيها . وأين المشبهة المجسمة من هؤلاء ؟ فإن هؤلاء غاية كفرهم : أن يجعلوه مثل المخلوقات .

لكن يقولون : هو قديم وهي محدثة وهؤلاء جعلوه عين المخلوقات وجعلوه نفس الأجسام المصنوعات ووصفوه بجميع النقائص والآفات التي يوصف بهما كل كافر وكل فاجر وكل شيطان وكل سبع وكل حية من الحيات فتعالى الله عن إفكهم وضلالهم وسبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا .

والله تعالى ينتقم لنفسه ولدينه ولكتابه ولرسوله ولعباده المؤمنين منهم .

[ ص: 127 ] وهؤلاء يقولون : إن النصارى إنما كفروا لتخصيصهم ; حيث قالوا : { إن الله هو المسيح } فكلما قالته النصارى في المسيح : يقولونه في الله وكفر النصارى جزء من كفر هؤلاء .

ولما قرءوا هذا الكتاب المذكور على أفضل متأخريهم ; قال له قائل : هذا الكتاب يخالف القرآن . فقال : القرآن كله شرك . وإنما التوحيد في كلامنا هذا : يعني أن القرآن يفرق بين الرب والعبد وحقيقة التوحيد عندهم أن الرب هو العبد ; فقال له القائل : فأي فرق بين زوجتي وبنتي إذا ؟ قال : لا فرق لكن هؤلاء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم .

وهؤلاء إذا قيل في مقالتهم إنها كفر : لم يفهم هذا اللفظ حالها فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة بل كفر كل كافر جزء من كفرهم ; ولهذا قيل لرئيسهم أنت نصيري . فقال : نصير جزء مني وكان عبد الله بن المبارك يقول : إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية وهؤلاء شر من أولئك الجهمية فإن أولئك كان غايتهم القول بأن الله في كل مكان وهؤلاء قولهم أنه وجود كل مكان ; ما عندهم موجودان ; أحدهما حال والآخر محل .

ولهذا قالوا : إن آدم من الله بمنزلة إنسان العين من العين وقد علم المسلمون واليهود والنصارى ; بالاضطرار من دين المرسلين : أن من قال عن أحد من البشر إنه جزء من الله فإنه كافر في جميع الملل إذ النصارى لم تقل هذا [ ص: 128 ] - وإن كان قولها من أعظم الكفر - لم يقل أحد إن عين المخلوقات هي جزء الخالق ولا أن الخالق هو المخلوق ولا الحق المنزه هو الخلق المشبه .

وكذلك قوله : إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام لجهلوا من الحق : بقدر ما تركوا منها : هو من الكفر المعلوم بالاضطرار من جميع الملل فإن أهل الملل متفقون على أن الرسل جميعهم نهوا عن عبادة الأصنام وكفروا من يفعل ذلك وأن المؤمن لا يكون مؤمنا حتى يتبرأ من عبادة الأصنام وكل معبود سوى الله كما قال الله تعالى : { قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده } .

وقال الخليل : { أفرأيتم ما كنتم تعبدون } { أنتم وآباؤكم الأقدمون } { فإنهم عدو لي إلا رب العالمين } وقال الخليل : { لأبيه وقومه إنني براء مما تعبدون } { إلا الذي فطرني فإنه سيهدين } وقال الخليل - وهو إمام الحنفاء الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب واتفق أهل الملل على تعظيمه لقوله - { يا قوم إني بريء مما تشركون } { إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين } .

وهذا أكثر وأظهر عند أهل الملل من . اليهود والنصارى - فضلا عن المسلمين - من أن يحتاج أن يستشهد عليه بنص خاص فمن قال : إن عباد الأصنام لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء فهو أكفر من [ ص: 129 ] اليهود والنصارى ومن لم يكفرهم فهو أكفر من اليهود والنصارى ; فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام فكيف من يجعل تارك عبادة الأصنام جاهلا من الحق بقدر ما ترك منها ؟ مع قوله : فإن العالم يعلم من عبد وفي أي صورة ظهر حتى عبد وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية فما عبد غير الله في كل معبود بل هو أعظم من كفر عباد الأصنام ; فإن أولئك اتخذوهم شفعاء ووسائط كما قالوا : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى } . وقال الله تعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } .

وكانوا مقرين بأن الله خالق السموات والأرض وخالق الأصنام كما قال تعالى : { ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله } وقال تعالى : { وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون } .

قال ابن عباس : تسألهم من خلق السموات والأرض فيقولون الله ثم يعبدون غيره وكانوا يقولون في تلبيتهم : لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ; ولهذا قال تعالى : { ضرب لكم مثلا من أنفسكم هل لكم من ما ملكت أيمانكم من شركاء في ما رزقناكم فأنتم فيه سواء تخافونهم كخيفتكم أنفسكم } .

وهؤلاء أعظم كفرا من جهة أن هؤلاء جعلوا عابد الأصنام عابدا لله لا عابدا لغيره وأن الأصنام من الله ; بمنزلة أعضاء الإنسان من الإنسان [ ص: 130 ] وبمنزلة قوى النفس من النفس ; وعباد الأصنام : اعترفوا بأنها غيره وأنها مخلوقة ومن جهة أن عباد الأصنام من العرب : كانوا مقرين بأن للسموات والأرض ربا غيرهما خلقهما وهؤلاء ليس عندهم للسموات والأرض وسائر المخلوقات رب مغاير للسموات والأرض وسائر المخلوقات بل المخلوق هو الخالق .

ولهذا جعل قوم عاد وغيرهم من الكفار على صراط مستقيم وجعلهم في عين القرب وجعل أهل النار يتمتعون في النار كما يتمتع أهل الجنة في الجنة .

وقد علم بالاضطرار من دين الإسلام : أن قوم عاد وثمود وفرعون وقومه وسائر من قص الله قصته من الكفار أعداء الله وأنهم معذبون في الآخرة وأن الله لعنهم وغضب عليهم فمن أثنى عليهم وجعلهم من المقربين ومن أهل النعيم : فهو أكفر من اليهود والنصارى من هذا الوجه .

وهذه الفتوى لا تحتمل بسط كلام هؤلاء وبيان كفرهم وإلحادهم فإنهم من جنس القرامطة الباطنية والإسماعيلية الذين كانوا أكفر من اليهود والنصارى وأن قولهم يتضمن الكفر بجميع الكتب والرسل كما قال الشيخ إبراهيم الجعبري لما اجتمع بابن عربي - صاحب هذا الكتاب - فقال : رأيته شيخا نجسا يكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي أرسله الله .

[ ص: 131 ] وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام - لما قدم القاهرة وسألوه عنه - قال : هو شيخ سوء كذاب مقبوح يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا فقوله : يقول بقدم العالم ; لأن هذا قوله وهذا كفر معروف فكفره الفقيه أبو محمد بذلك ولم يكن بعد ظهر من قوله : إن العالم هو الله وإن العالم صورة الله وهوية الله فإن هذا أعظم من كفر القائلين بقدم العالم الذين يثبتون واجب الوجود ويقولون إنه صدر عنه الوجود الممكن .

وقال عنه من عاينه من الشيوخ : إنه كان كذابا مفتريا وفي كتبه - مثل الفتوحات المكية وأمثالها - من الأكاذيب ما لا يخفى على لبيب - هذا وهو أقرب إلى الإسلام من ابن سبعين ومن القونوي والتلمساني وأمثاله من أتباعه فإذا كان الأقرب بهذا الكفر - الذي هو أعظم من كفر اليهود والنصارى - فكيف بالذين هم أبعد عن الإسلام ؟ ولم أصف عشر ما يذكرونه من الكفر .

ولكن هؤلاء التبس أمرهم على من لم يعرف حالهم كما التبس أمر القرامطة الباطنية لما ادعوا أنهم فاطميون وانتسبوا إلى التشيع فصار المتبعون مائلين إليهم غير عالمين بباطن كفرهم .

ولهذا كان من مال إليهم أحد رجلين : إما زنديقا منافقا ; وإما جاهلا ضالا .

وهكذا هؤلاء الاتحادية : فرءوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم ولا تقبل توبة [ ص: 132 ] أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة فإنه من أعظم الزنادقة الذين يظهرون الإسلام ويبطنون أعظم الكفر وهم الذين يفهمون قولهم ومخالفتهم لدين المسلمين ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم أو ذب عنهم أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم أو كره الكلام فيهم أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدري ما هو أو من قال إنه صنف هذا الكتاب وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق ; بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم ولم يعاون على القيام عليهم فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات ; لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء وهم يسعون في الأرض فسادا ويصدون عن سبيل الله .

فضررهم في الدين : أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم ويترك دينهم كقطاع الطريق وكالتتار الذين يأخذون منهم الأموال ويبقون لهم دينهم ولا يستهين بهم من لم يعرفهم فضلالهم وإضلالهم : أعظم من أن يوصف وهم أشبه الناس بالقرامطة الباطنية .

ولهذا هم يريدون دولة التتار ويختارون انتصارهم على المسلمين إلا من كان عاميا من شيعهم وأتباعهم فإنه لا يكون عارفا بحقيقة أمرهم .

ولهذا يقرون اليهود والنصارى على ما هم عليه ويجعلونهم على حق كما يجعلون عباد الأصنام على حق وكل واحدة من هذه من أعظم الكفر ومن [ ص: 133 ] كان محسنا للظن بهم - وادعى أنه لم يعرف حالهم - عرف حالهم فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار وإلا ألحق بهم وجعل منهم .

وأما من قال لكلامهم تأويل يوافق الشريعة ; فإنه من رءوسهم وأئمتهم ; فإنه إن كان ذكيا فإنه يعرف كذب نفسه فيما قاله وإن كان معتقدا لهذا باطنا وظاهرا فهو أكفر من النصارى فمن لم يكفر هؤلاء وجعل لكلامهم تأويلا كان عن تكفير النصارى بالتثليث والاتحاد أبعد . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية