صفحة جزء
[ ص: 134 ] وقال شيخ الإسلام أحمد ابن تيمية - قدس الله روحه :

بسم الله الرحمن الرحيم { الحمد لله رب العالمين } { الرحمن الرحيم } { مالك يوم الدين }

وأشهد أن لا إله إلا الله الأحد الحق المبين . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله خاتم النبيين . صلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا وعلى سائر إخوانه المرسلين .

أما بعد : فقد وصل كتابك تلتمس فيه بيان مذهب هؤلاء الاتحادية وبيان بطلانه وأنك كنت قد سمعت مني بعض البيان لفساد قولهم وضاق الوقت بك عن استتمام بقية البيان وأعجلك السفر ; حتى رأيت عندكم بعض من ينصر قولهم ممن ينتسب إلى الطريقة والحقيقة وصادف مني كتابك موقعا ووجدت محلا قابلا .

وقد كتبت بما أرجو أن ينفع الله به المؤمنين ويدفع به بأس هؤلاء [ ص: 135 ] الملاحدة المنافقين الذين يلحدون في أسماء الله وآياته المخلوقات والمنزلات في كتابه المبين ويبين الفرق بين ما عليه أهل التحقيق واليقين من أهل العلم والمعرفة المهتدين وبين ما عليه هؤلاء الزنادقة المتشبهين بالعارفين كما تشبه بالأنبياء من تشبه من المتنبئين كما شبهوا بكلام الله ما شبهوه به من الشعر المفتعل وأحاديث المفترين ليتبين أن هؤلاء من جنس الكفار المنافقين المرتدين أتباعفرعون والقرامطة الباطنيين وأصحاب مسيلمة والعنسي ونحوهما من المفترين وأن أهل العلم والإيمان من الصديقين والشهداء والصالحين سواء كانوا من المقربين السابقين أو من المقتصدين أصحاب اليمين هم من أتباع إبراهيم الخليل وموسى الكليم ومحمد المبعوث إلى الناس أجمعين .

قد فرق الله في كتابه المبين الذي جعله حاكما بين الناس فيما اختلفوا فيه من الحق بين الحق والباطل والهدى والضلال والمؤمنين والكافرين وقال تعالى : { أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون } وقال : { أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار } وقال : { أفنجعل المسلمين كالمجرمين } { ما لكم كيف تحكمون } .

وقد بين حال من تشبه بالأنبياء وبأهل العلم والإيمان من أهل الكذب والفجور الملبوس عليهم اللابسين وأخبر أن لهم تنزلا ووحيا ولكن من الشياطين فقال : { وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } وقال تعالى : { هل أنبئكم على من تنزل الشياطين } { تنزل على كل أفاك أثيم } .

وأخبر أن كل من ارتد عن دين الله فلا بد أن يأتي الله بدله بمن يقيم دينه المبين فقال : { يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } .

وذلك أن مذهب هؤلاء الملاحدة فيما يقولونه من الكلام وينظمونه من الشعر بين حديث مفترى وشعر مفتعل . وإليهما أشار أبو بكر الصديق رضي الله عنه لما قال له عمر بن الخطاب في بعض ما يخاطبه به : يا خليفة رسول الله تألف الناس . فأخذ بلحيته وقال : يا ابن الخطاب أجبارا في الجاهلية خوارا في الإسلام ؟ علام أتألفهم أعلى حديث مفترى ؟ أم شعر مفتعل ؟ يقول : إني لست أدعوهم إلى حديث مفترى كقرآن مسيلمة ولا شعر مفتعل كشعر طليحة الأسدي .

وهذان النوعان : هما اللذان يعارض بهما القرآن أهل الفجور والإفك المبين قال تعالى : { فلا أقسم بما تبصرون } { وما لا تبصرون } { إنه لقول رسول كريم } { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } { ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون } { تنزيل من رب العالمين } وقال تعالى : { وإنه لتنزيل رب العالمين } { نزل به الروح الأمين } إلى قوله { وما تنزلت به الشياطين } إلى آخر السورة .

فذكر في هذه السورة علامة الكهان الكاذبين والشعراء الغاوين ونزهه عن هذين الصنفين كما في سورة الحاقة . وقال تعالى { إنه لقول رسول كريم } { ذي قوة عند ذي العرش مكين } إلى آخر السورة . فالرسول هنا جبريل وفي الآية الأولى محمد صلى الله عليه وسلم ولهذا نزه محمدا هناك عن أن يكون شاعرا أو كاهنا ونزه هنا الرسول إليه أن يكون من الشياطين .

التالي السابق


الخدمات العلمية