صفحة جزء
[ ص: 488 ] سورة الأنعام سئل رضي الله عنه عن قوله تعالى { ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده } وقوله تعالى { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب } وقوله تعالى { يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب } هل المحو والإثبات في اللوح المحفوظ والكتاب الذي جاء في الصحيح { أن الله تعالى كتب كتابا فهو عنده على عرشه } الحديث .

وقد جاء : { جف القلم } فما معنى ذلك في المحو والإثبات ؟ . وهل شرع في الدعاء أن يقول : " اللهم إن كنت كتبتني كذا فامحني واكتبني كذا فإنك قلت : { يمحوا الله ما يشاء ويثبت } وهل صح أن عمر كان يدعو بمثل هذا ؟ وهل الصحيح عندكم أن العمر يزيد بصلة الرحم كما جاء في الحديث ؟ أفتونا مأجورين .


فأجاب رضي الله عنه الحمد لله رب العالمين . [ ص: 489 ] أما قوله سبحانه : { ثم قضى أجلا وأجل مسمى عنده } فالأجل الأول هو أجل كل عبد ; الذي ينقضي به عمره والأجل المسمى عنده هو : أجل القيامة العامة . ولهذا قال : { مسمى عنده } فإن وقت الساعة لا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل كما قال : { يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو } . بخلاف ما إذا قال : ( مسمى كقوله : { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى } إذ لم يقيد بأنه مسمى عنده فقد يعرفه العباد .

وأما أجل الموت فهذا تعرفه الملائكة الذين يكتبون رزق العبد وأجله وعمله وشقي أو سعيد . كما قال في الصحيحين عن ابن مسعود قال : { حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات فيقال : اكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح } فهذا الأجل الذي هو أجل الموت قد يعلمه الله لمن شاء من عباده .

وأما أجل القيامة المسمى عنده فلا يعلمه إلا هو . [ ص: 490 ] وأما قوله : { وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره } فقد قيل إن المراد الجنس أي ما يعمر من عمر إنسان ولا ينقص من عمر إنسان ثم التعمير والتقصير يراد به شيئان : " أحدهما " أن هذا يطول عمره وهذا يقصر عمره فيكون تقصيره نقصا له بالنسبة إلى غيره كما أن المعمر يطول عمره وهذا يقصر عمره فيكون تقصيره نقصا له بالنسبة إلى غيره كما أن التعمير زيادة بالنسبة إلى آخر .

وقد يراد بالنقص النقص من العمر المكتوب كما يراد بالزيادة الزيادة في العمر المكتوب . وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه } وقد قال بعض الناس : إن المراد به البركة في العمر بأن يعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيره إلا في الكثير قالوا : لأن الرزق والأجل مقدران مكتوبان .

فيقال لهؤلاء تلك البركة . وهي الزيادة في العمل والنفع . هي أيضا مقدرة مكتوبة وتتناول لجميع الأشياء . والجواب المحقق : أن الله يكتب للعبد أجلا في صحف الملائكة [ ص: 491 ] فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب . وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب . ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم { أن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه إياهم فرأى فيهم رجلا له بصيص فقال من هذا يا رب ؟ فقال ابنك داود .

قال : فكم عمره ؟ قال أربعون سنة . قال : وكم عمري ؟ قال : ألف سنة . قال فقد وهبت له من عمري ستين سنة . فكتب عليه كتاب وشهدت عليه الملائكة فلما حضرته الوفاة قال قد بقي من عمري ستون سنة . قالوا : وهبتها لابنك داود . فأنكر ذلك فأخرجوا الكتاب . قال النبي صلى الله عليه وسلم فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته
} وروي أنه كمل لآدم عمره ولداود عمره .

فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال : اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت . والله سبحانه عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون ; فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها ; [ ص: 492 ] فلهذا قال العلماء : إن المحو والإثبات في صحف الملائكة وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالما به فلا محو فيه ولا إثبات . وأما اللوح المحفوظ فهل فيه محو وإثبات على قولين . والله سبحانه وتعالى أعلم ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية