صفحة جزء
وأما قوله : { ما أصابك من حسنة فمن الله } فقد دخل في ذلك نعم الدنيا كلها كالعافية والرزق والنصر وتلك حسنات يبتلي الله العبد بها . كما يبتليه بالمصائب هل شكر أم لا ؟ وهل يصبر أم لا ؟ كما قال تعالى : { وبلوناهم بالحسنات والسيئات } وقال : { ونبلوكم بالشر والخير فتنة } { فأما الإنسان إذا ما ابتلاه ربه } الآيات .

[ ص: 101 ] وقد يقال في الشيء إنه من الله وإن كان مخلوقا إذا كان مختصا بالله كآيات الأنبياء كما قال لموسى : { فذانك برهانان من ربك } وقلب العصا حية وإخراج اليد بيضاء من غير سوء مخلوق لله لكنه منه لأنه دل به وأرشد إلى صدق نبيه موسى وهو تصديق منه وشهادة منه له بالرسالة والصدق فصار ذلك من الله بمنزلة البينة من الله والشهادة من الله وليست هذه الآيات مما تفعله الشياطين والكهان كما يقال : هذه علامة من فلان وهذا دليل من فلان وإن [ لم ] يكن ذلك كلاما منه .

وقد سمى موسى ذلك بينة من الله فقال : { قد جئتكم ببينة من ربكم } فقوله : ببينة من ربكم كقوله : { فذانك برهانان من ربك } .

وهذه البينة هنا حجة وآية ودلالة مخلوقة تجري مجرى شهادة الله وإخباره بكلامه كالعلامة التي يرسل بها الرجل إلى أهله وكيله قال سعيد بن جبير في الآية : هي كالخاتم تبعث به فيكون هذا بمنزلة قوله صدقوه فيما قال أو أعطوه ما طلب .

فالقرآن والهدى منه وهو من كلامه وعلمه وحكمه الذي هو قائم به غير مخلوق وهذه الآيات دليل على ذلك كما يكتب كلامه في [ ص: 102 ] المصاحف ; فيكون المراد المكتوب به الكلام يعرف به الكلام قال تعالى : { قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا } .

ولهذا يكون لهذه الآيات المعجزات حرمة : كالناقة وكالماء النابع بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك . والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية