[ ص: 198 ] سورة الحجر وقال شيخ الإسلام 
أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني   - قدس الله روحه ونور ضريحه ورحمه : فصل في آيات ثلاث متناسبة متشابهة اللفظ والمعنى يخفى معناها على أكثر الناس . 
قوله تعالى { قال هذا صراط علي مستقيم  } { 
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين  }  . 
وقوله تعالى : { وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر  } 
وقوله تعالى { إن علينا للهدى  } { 
وإن لنا للآخرة والأولى  }  .  
[ ص: 199 ] فلفظ هذه الآيات فيه أن السبيل الهادي هو على الله . 
وقد ذكر 
أبو الفرج بن الجوزي  في الآية الأولى ثلاثة أقوال بخلاف الآيتين الأخريين فإنه لم يذكر فيهما إلا قولا واحدا . فقال في تلك الآية : اختلفوا في معنى هذا الكلام على ثلاثة أقوال . 
( أحدها : أنه يعني بقوله هذا : الإخلاص . فالمعنى أن الإخلاص طريق إلي مستقيم و " علي " بمعنى " إلي " . 
و ( الثاني : هذا طريق علي جوازه لأني بالمرصاد فأجازيهم بأعمالهم . وهو خارج مخرج الوعيد كما تقول للرجل تخاصمه " طريقك علي " فهو كقوله { 
إن ربك لبالمرصاد  } . 
و ( الثالث هذا صراط علي استقامته أي أنا ضامن لاستقامته بالبيان والبرهان . قال : وقرأ 
قتادة  ويعقوب   : { 
هذا صراط علي  } أي رفيع . 
قلت : هذه الأقوال الثلاثة قد ذكرها من قبله 
كالثعلبي  والواحدي  والبغوي  وذكروا قولا رابعا . فقالوا - واللفظ 
للبغوي  وهو مختصر 
الثعلبي   .  
[ ص: 200 ] قال 
الحسن   : معناه صراط إلي مستقيم . وقال 
مجاهد   : الحق يرجع إلي وعليه طريقه لا يعرج على شيء . 
وقال 
الأخفش   : يعني علي الدلالة على الصراط المستقيم . 
وقال 
الكسائي   : هذا على التهديد والوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه " طريقك علي " أي لا تفلت مني كما قال تعالى { 
إن ربك لبالمرصاد  } . 
وقيل : معناه علي استقامته بالبيان والبرهان والتوفيق والهداية . 
فذكروا الأقوال الثلاثة وذكروا قول 
الأخفش   " علي الدلالة على الصراط المستقيم " . وهو يشبه القول الأخير لكن بينهما فرق . فإن ذاك يقول : علي استقامته بإقامة الأدلة . فمن سلكه كان على صراط مستقيم . والآخر يقول : علي أن أدل الخلق عليه بإقامة الحجج . ففي كلا القولين أنه بين الصراط المستقيم بنصب الأدلة لكن هذا جعل الدلالة عليه وهذا جعل عليه استقامته - أي بيان استقامته - وهما متلازمان . ولهذا - والله أعلم - لم يجعله 
أبو الفرج  قولا رابعا . 
وذكروا القراءة الأخرى عن 
يعقوب  وغيره : أي رفيع . قال 
البغوي   : وعبر بعضهم عنه " رفيع أن ينال مستقيم أن يمال " .  
[ ص: 201 ]  ( قلت : القول الصواب هو قول أئمة 
السلف   - قول 
مجاهد  ونحوه - فإنهم أعلم بمعاني القرآن . لا سيما 
مجاهد   . فإنه قال : عرضت المصحف على 
ابن عباس  من فاتحته إلى خاتمته أقفه عند كل آية وأسأله عنها " وقال 
الثوري   : إذا جاءك التفسير عن 
مجاهد  فحسبك به . والأئمة 
كالشافعي  وأحمد  والبخاري  ونحوهم يعتمدون على تفسيره . 
والبخاري  في صحيحه أكثر ما ينقله من التفسير ينقله عنه . 
والحسن البصري  أعلم 
التابعين  بالبصرة   . وما ذكروه عن 
مجاهد  ثابت عنه . رواه الناس 
كابن أبي حاتم  وغيره . من تفسير 
ورقاء  عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  في قوله { 
هذا صراط علي مستقيم  } الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لا يعرج على شيء . وذكر عن 
قتادة  أنه فسرها على قراءته - وهو يقرأ " علي " - فقال : أي رفيع مستقيم . 
وكذلك ذكر 
ابن أبي حاتم  عن 
السلف  أنهم فسروا آية النحل . فروي من طريق 
ورقاء   . عن 
ابن أبي نجيح  عن 
مجاهد  قوله { 
قصد السبيل  } قال : طريق الحق على الله . قال : وروي عن 
السدي  أنه قال : الإسلام . 
وعطاء  قال : هي طريق الجنة . 
فهذه الأقوال - قول 
مجاهد  والسدي  وعطاء   - في هذه الآية هي مثل قول 
مجاهد  والحسن  في تلك الآية . 
وذكر 
ابن أبي حاتم  من تفسير 
العوفي  عن 
ابن عباس  في قوله  
[ ص: 202 ]  { 
وعلى الله قصد السبيل  } يقول : على الله البيان - أن يبين الهدى والضلالة . 
وذكر 
ابن أبي حاتم  في هذه الآية قولين ولم يذكر في آية الحجر إلا قول 
مجاهد  فقط . 
وابن الجوزي  لم يذكر في آية النحل إلا هذا القول الثاني وذكره عن 
الزجاج  فقال : { 
وعلى الله قصد السبيل  } القصد : استقامة الطريق - يقال : طريق قصد وقاصد إذا قصد بك إلى ما تريد قال 
الزجاج   : المعنى وعلى الله تبيين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين . 
وكذلك 
الثعلبي  والبغوي  ونحوهما لم يذكروا إلا هذا القول لكن ذكروه باللفظين . 
قال 
البغوي   : يعني بيان طريق الهدى من الضلالة . وقيل : بيان الحق بالآيات والبراهين . 
قال : والقصد : الصراط المستقيم { 
ومنها جائر  } يعني ومن السبيل ما هو جائر عن الاستقامة معوج . فالقصد من السبيل : دين الإسلام والجائر منها : اليهودية والنصرانية وسائر ملل الكفر .  
[ ص: 203 ] قال 
جابر بن عبد الله   : قصد السبيل : بيان الشرائع والفرائض . وقال 
 nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك  وسهل بن عبد الله   : قصد السبيل : السنة { 
ومنها جائر  } الأهواء والبدع . دليله : قوله تعالى { 
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله  } . 
ولكن 
البغوي  ذكر فيها القول الآخر ذكره في تفسير قوله تعالى { 
إن علينا للهدى  } - عن 
الفراء  كما سيأتي . فقد ذكر القولين في الآيات الثلاث تبعا لمن قبله 
كالثعلبي  وغيره . 
والمهدوي  ذكر في الآية الأولى قولين من الثلاثة وذكر في الثانية ما رواه 
العوفي  وقولا آخر . فقال : قوله { 
قال هذا صراط علي مستقيم  } أي على أمري وإرادتي . وقيل : هو على التهديد كما يقال " علي طريقك وإلي مصيرك " . 
وقال في قوله : { 
وعلى الله قصد السبيل  } قال 
ابن عباس   : أي بيان الهدى من الضلال . وقيل : السبيل الإسلام { 
ومنها جائر  } أي ومن السبيل جائر أي عادل عن الحق . وقيل المعنى " وعنها جائر " أي عن السبيل ف " من " بمعنى " عن " . 
وقيل : معنى قصد السبيل : سيركم ورجوعكم والسبيل واحدة بمعنى الجمع .  
[ ص: 204 ] قلت : هذا قول بعض المتأخرين - جعل " القصد " بمعنى " الإرادة " أي عليه قصدكم للسبيل في ذهابكم ورجوعكم . وهو كلام من لم يفهم الآية . فإن " السبيل القصد " هي السبيل العادلة أي عليه السبيل القصد . و " السبيل " اسم جنس ولهذا قال : { 
ومنها جائر  } . 
أي عليه القصد من السبيل ومن السبيل جائر . فأضافه إلى اسم الجنس إضافة النوع إلى الجنس أي " القصد من السبيل " كما تقول " ثوب خز " . ولهذا قال : { 
ومنها جائر  } . وأما من ظن أن التقدير " قصدكم السبيل " فهذا لا يطابق لفظ الآية ونظمها من وجوه متعددة . 
 Multitarajem.php?tid=13365,13366وابن عطية  لم يذكر في آية الحجر إلا قول 
الكسائي  وهو أضعف الأقوال وذكر المعنى الصحيح تفسيرا للقراءة الأخرى . فذكر أن جماعة من 
السلف  قرءوا { 
علي مستقيم  } من العلو والرفعة . قال : والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى الإخلاص - لما استثنى إبليس من أخلص قال الله له : هذا الإخلاص طريق رفيع مستقيم لا تنال أنت بإغوائك أهله . 
قال : وقرأ جمهور الناس { 
علي مستقيم  } . والإشارة بهذا على هذه القراءة إلى انقسام الناس إلى غاو ومخلص . لما قسم إبليس هذين  
[ ص: 205 ] القسمين قال الله " هذا طريق علي " أي هذا أمر إلي مصيره . 
والعرب  تقول " طريقك في هذا الأمر على فلان " أي إليه يصير النظر في أمرك . وهذا نحو قوله { 
إن ربك لبالمرصاد  } . قال : والآية على هذه القراءة خبر يتضمن وعيدا . 
( قلت : هذا قول لم ينقل عن أحد من علماء التفسير - لا في هذه الآية ولا في نظيرها . وإنما قاله 
الكسائي  لما أشكل عليه معنى الآية الذي فهمه 
السلف  ودل عليه السياق والنظائر . 
وكلام 
العرب  لا يدل على هذا القول . فإن الرجل وإن كان يقول لمن يتهدده ويتوعده " علي طريقك " فإنه لا يقول : إن طريقك مستقيم . 
وأيضا فالوعيد إنما يكون للمسيء لا يكون للمخلصين . فكيف يكون قوله هذا " إشارة إلى انقسام الناس إلى غاو ومخلص " وطريق هؤلاء غير طريق هؤلاء ؟ هؤلاء سلكوا الطريق المستقيم التي تدل على الله وهؤلاء سلكوا السبيل الجائرة . 
وأيضا فإنما يقول لغيره في التهديد " طريقك علي " من لا يقدر عليه في الحال لكن ذاك يمر بنفسه عليه وهو متمكن منه كما كان 
أهل  [ ص: 206 ] المدينة   يتوعدون 
أهل مكة   بأن " طريقكم علينا " لما تهددوهم بأنكم آويتم 
محمدا  وأصحابه . كما قال 
أبو جهل  لسعد بن معاذ  لما ذهب 
سعد  إلى 
مكة   " لا أراك تطوف بالبيت آمنا وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم " فقال " لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه - طريقك على 
المدينة   " أو نحو هذا . 
فذكر أن طريقهم في متجرهم إلى 
الشام  عليهم فيتمكنون حينئذ من جزائهم . 
ومثل هذا المعنى لا يقال في حق الله تعالى . فإن الله قادر على العباد حيث كانوا كما قالت الجن { 
وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا  } وقال { 
وما أنتم بمعجزين في الأرض 
} وإذا كانت 
العرب  تقول ما ذكره : يقولون " طريقك في هذا الأمر على فلان " أي إليه يصير أمرك فهذا يطابق تفسير 
مجاهد  وغيره من 
السلف  كما قال 
مجاهد   : الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لا يعرج على شيء . فطريق الحق على الله وهو الصراط المستقيم الذي قال الله فيه { 
هذا صراط علي مستقيم  } كما فسرت به القراءة الأخرى . 
فالصراط في القراءتين هذا الصراط المستقيم الذي أمر الله المؤمنين  
[ ص: 207 ] أن يسألوه إياه في صلاتهم فيقولوا { 
اهدنا الصراط المستقيم  } { 
صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين  } . وهو الذي وصى به في قوله { 
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون 
} وقوله هذا إشارة إلى ما تقدم ذكره وهو قوله { 
إلا عبادك منهم المخلصين  } فتعبد العباد له بإخلاص الدين له : طريق يدل عليه وهو طريق مستقيم . ولهذا قال بعده { 
إن عبادي ليس لك عليهم سلطان 
} 
 Multitarajem.php?tid=13365,13366وابن عطية  ذكر أن هذا معنى الآية في تفسير الآية الأخرى مستشهدا به مع أنه لم يذكره في تفسيرها . فهو بفطرته عرف أن هذا معنى الآية ولكنه لما فسرها ذكر ذلك القول كأنه هو الذي اتفق أن رأى غيره قد قاله هناك . فقال - رحمه الله . 
وقوله { 
وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر  } . وهذه أيضا من أجل نعم الله تعالى . أي على الله تقويم طريق الهدى وتبيينه - وذلك بنصب الأدلة وبعث الرسل . وإلى هذا ذهب المتأولون . 
قال : ويحتمل أن يكون المعنى أن من سلك السبيل القاصد فعلى الله طريقه وإلى ذلك مصيره . فيكون هذا مثل قوله { 
هذا صراط علي مستقيم  } وضد { 
nindex.php?page=hadith&LINKID=597693قول النبي صلى الله عليه وسلم والشر ليس إليك  } أي لا يفضي إلى رحمتك . وطريق قاصد معناه : بين مستقيم قريب ومنه قول 
الراجز   : 
بعيد عن نهج الطريق القاصد 
قال : والألف واللام في " السبيل " للعهد وهي سبيل الشرع وليست للجنس ولو كانت للجنس لم يكن منها جائر . وقوله { 
ومنها جائر  } يريد طريق 
اليهود  والنصارى  وغيرهم كعباد الأصنام . والضمير في " منها " يعود على " السبيل " التي يتضمنها معنى الآية كأنه قال " ومن السبيل جائر " فأعاد عليها وإن كان لم يجر لها ذكر لتضمن لفظة " السبيل " بالمعنى لها . 
قال : ويحتمل أن يكون الضمير في " منها " على " سبيل الشرع " المذكورة ويكون " من " للتبعيض ويكون المراد فرق الضلالة من أمة 
محمد   - كأنه قال : ومن بنيات الطرق من هذه السبيل ومن شعبها جائر . 
( قلت : سبيل أهل البدع جائرة خارجة عن الصراط المستقيم فيما ابتدعوا فيه . ولا يقال إن ذلك من السبيل المشروعة .  
[ ص: 209 ] وأما قوله " إن قوله : { 
قصد السبيل  } هي سبيل الشرع وهي سبيل الهدى والصراط المستقيم . وأنها لو كانت للجنس لم يكن منها جائر فهذا أحد الوجهين في دلالة الآية وهو مرجوح . والصحيح الوجه الآخر أن " السبيل " اسم جنس ولكن الذي على الله هو القصد منها وهي سبيل واحد ولما كان جنسا قال { 
ومنها جائر  } والضمير يعود على ما ذكر بلا تكلف . 
وقوله " لو كان للجنس لم يكن منها جائر " ليس كذلك . فإنها ليست كلها عليه بل إنما عليه القصد منها وهي سبيل الهدى والجائر ليس من القصد . وكأنه ظن أنه إذا كانت للجنس يكون عليه قصد كل سبيل وليس كذلك . بل إنما عليه سبيل واحدة وهي الصراط المستقيم - هي التي تدل عليه . وسائرها سبيل الشيطان كما قال { 
وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله  } . 
وقد أحسن - رحمه الله - في هذا الاحتمال وفي تمثيله ذلك بقوله { 
هذا صراط علي مستقيم  } .