صفحة جزء
[ ص: 234 ] سئل رضي الله عنه عن قوله عز وجل : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا } هل ذلك فيمن أضاع وقتها فصلاها في غير وقتها أم فيمن أضاعها فلم يصلها وقوله تعالى { فويل للمصلين } { الذين هم عن صلاتهم ساهون } هل هو عن فعل الصلاة أو السهو فيها كما جرت العادة من صلاة الغفلة الذين لا يعقلون من صلاتهم شيئا ؟ أفتونا مأجورين .


فأجاب رضي الله عنه الحمد لله رب العالمين . بل المراد بهاتين الآيتين من أضاع الواجب في الصلاة لا مجرد تركها هكذا فسرها الصحابة والتابعون وهو ظاهر الكلام فإنه قال : { فويل للمصلين } { الذين هم عن صلاتهم ساهون } فأثبت لهم صلاة وجعلهم ساهين عنها فعلم أنهم كانوا يصلون مع السهو عنها وقد قال طائفة من السلف : بل هو السهو عما يجب فيها مثل ترك الطمأنينة وكلا المعنيين حق والآية تتناول هذا وهذا كما في صحيح مسلم عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { تلك صلاة المنافق تلك صلاة المنافق [ ص: 235 ] تلك صلاة المنافق يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني شيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا } .

فبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن صلاة المنافق تشتمل على التأخير عن الوقت الذي يؤمر بفعلها فيه وعلى النقر الذي لا يذكر الله فيه إلا قليلا وهكذا فسروا قوله : { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات } بأن إضاعتها تأخيرها عن وقتها وإضاعة حقوقها وجاء في الحديث : { إن العبد إذا قام إلى الصلاة بطهورها وقراءتها وسجودها - أو كما قال - صعدت ولها برهان كبرهان الشمس تقول له : حفظك الله كما حفظتني وإذا لم يتم طهورها وقراءتها وسجودها - أو كما قال - فإنها تلف كما يلف الثوب وتقول له : ضيعك الله كما ضيعتني } قال سلمان الفارسي : الصلاة مكيال من وفى وفي له ومن طفف فقد علمتم ما قال في المطففين . وفي سنن أبي داود عن عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن العبد لينصرف من صلاته ولم يكتب له إلا نصفها إلا ثلثها إلا ربعها إلا خمسها إلا سدسها إلا سبعها إلا ثمنها إلا تسعها إلا عشرها } . وقد تنازع العلماء فيمن غلب عليه الوسواس في صلاته هل عليه الإعادة على قولين .

لكن الأئمة كأحمد وغيره على أنه لا إعادة عليه واحتجوا بما في [ ص: 236 ] الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إذا أذن المؤذن أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضى التأذين أقبل فإذا ثوب بالصلاة أدبر فإذا قضى التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول : اذكر كذا اذكر كذا لما لم يكن يذكر حتى يضل الرجل لن يدري كم صلى فإذا وجد أحدكم ذلك فليسجد سجدتين قبل أن يسلم } . فقد عم بهذا الكلام ولم يأمر أحدا بالإعادة .

و " الثاني " عليه الإعادة وهو قول طائفة من العلماء : من الفقهاء والصوفية من أصحاب أحمد وغيره كأبي عبد الله بن حامد وغيره لما تقدم من قوله ولم يكتب له منها إلا عشرها .

والتحقيق أنه لا أجر له إلا بقدر الحضور ; لكن ارتفعت عنه العقوبة التي يستحقها تارك الصلاة وهذا معنى قولهم : تبرأ ذمته بها أي : لا يعاقب على الترك لكن الثواب على قدر الحضور كما قال ابن عباس : ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها فلهذا شرعت السنن الرواتب جبرا لما يحصل من النقص في الفرائض والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية