صفحة جزء
وجماع أمر صاحب الفصوص وذويه : هدم أصول الإيمان الثلاثة ; فإن أصول الإيمان : الإيمان بالله ; والإيمان برسله ; والإيمان باليوم الآخر .

فأما الإيمان بالله : فزعموا أن وجوده وجود العالم ليس للعالم صانع غير العالم .

وأما الرسول فزعموا أنهم أعلم بالله منه ومن جميع الرسل ومنهم من [ ص: 242 ] يأخذ العلم بالله - الذي هو التعطيل ووحدة الوجود - من مشكاته وأنهم يساوونه في أخذ العلم بالشريعة عن الله .

وأما الإيمان باليوم الآخر فقد قال :

فلم يبق إلا صادق الوعد وحده وبالوعيد الحق عين تعاين     وإن دخلوا دار الشقاء فإنهم
على لذة فيها نعيم يباين

وهذا يذكر عن بعض أهل الضلال قبله أنه قال : إن النار تصير لأهلها طبيعة نارية يتمتعون بها وحينئذ : فلا خوف ولا محذور ولا عذاب ; لأنه أمر مستعذب . ثم إنه في الأمر والنهي : عنده الآمر والناهي والمأمور والمنهي : واحد ; ولهذا كان أول ما قاله في الفتوحات المكية التي هي أكبر كتبه : -

الرب حق والعبد حق     يا ليت شعري من المكلف ؟
إن قلت عبد فذاك رب     أو قلت رب أنى يكلف ؟

وفي موضع آخر " فذاك ميت " رأيته بخطه .

وهذا مبني على أصله فإن عنده ما ثم عبد ولا وجود إلا وجود الرب فمن المكلف ؟ وعلى أصله هو المكلف والمكلف كما يقولون : أرسل من نفسه إلى نفسه رسولا .

[ ص: 243 ] وكما قال ابن الفارض في قصيدته : التي نظمها على مذهبهم وسماها نظم السلوك : -

إلي رسولا كنت مني مرسلا     وذاتي بآياتي علي استدلت

ومضمونها : هو القول بوحدة الوجود وهو مذهب ابن عربي وابن سبعين وأمثالهم كما قال : -

لها صلواتي بالمقام أقيمها     وأشهد فيها أنها لي صلت
كلانا مصل عابد ساجد إلي     حقيقة الجمع في كل سجدة
وما كان لي صلى سواي فلم تكن     صلاتي لغيري في أداء كل ركعة
إلى قوله : - وما زلت إياها وإياي لم تزل     ولا فرق ; بل ذاتي لذاتي أحبت

ومثل هذا كثير والله أعلم .

وحدثني صاحبنا الفقيه الصوفي أبو الحسن علي بن قرباص : أنه دخل على الشيخ قطب الدين ابن القسطلاني فوجده يصنف كتابا . فقال : ما هذا ؟ فقال : هذا في الرد على ابن سبعين وابن الفارض وأبي الحسن الجزلي والعفيف التلمساني .

وحدثني عن جمال الدين ابن واصل وشمس الدين الأصبهاني : أنهما كانا [ ص: 244 ] ينكران كلام ابن عربي ويبطلانه ويردان عليه وأن الأصبهاني رأى معه كتابا من كتبه فقال له : إن اقتنيت شيئا من كتبه فلا تجئ إلي أو ما هذا معناه . وأن ابن واصل لما ذكر كلامه في التفاحة التي انقلبت عن [ حوراء ] فتكلم معها أو جامعها فقال : والله الذي لا إله إلا هو يكذب . ولقد بر في يمينه .

وحدثني صاحبنا العالم الفاضل أبو بكر بن سالار : عن الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد - شيخ وقته - عن الإمام أبي محمد ابن عبد السلام أنهم سألوه عن ابن عربي لما دخل مصر فقال : شيخ سوء كذاب مقبوح يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا وكان تقي الدين يقول : هو صاحب خيال واسع . حدثني بذلك غير واحد من الفقهاء المصريين ممن سمع كلام ابن دقيق العيد .

وحدثني ابن بحير عن رشيد الدين سعيد وغيره أنه قال : كان يستحل الكذب هذا أحسن أحواله .

وحدثني الشيخ العالم العارف كمال الدين المراغي شيخ زمانه أنه لما قدم وبلغه كلام هؤلاء في التوحيد قال : قرأت على العفيف التلمساني من كلامهم شيئا فرأيته مخالفا للكتاب والسنة فلما ذكرت ذلك له قال : القرآن ليس فيه توحيد بل القرآن كله شرك ومن اتبع القرآن لم يصل إلى التوحيد قال فقلت له : ما الفرق عندكم بين الزوجة والأجنبية والأخت الكل واحد ؟ [ ص: 245 ] قال لا فرق بين ذلك عندنا وإنما هؤلاء المحجوبون اعتقدوه حراما فقلنا هو حرام عليهم عندهم وأما عندنا فما ثم حرام .

وحدثني كمال الدين المراغي ; أنه لما تحدث مع التلمساني في هذا المذهب قال - وكنت أقرأ عليه في ذلك - فإنهم كانوا قد عظموه عندنا ونحن مشتاقون إلى معرفة ( فصوص الحكم فلما صار يشرحه لي أقول هذا خلاف القرآن والأحاديث فقال : ارم هذا كله خلف الباب واحضر بقلب صاف حتى تتلقى هذا التوحيد - أو كما قال - ثم خاف أن أشيع ذلك عنه فجاء إلي باكيا وقال : استرعني ما سمعته مني .

وحدثني أيضا كمال الدين أنه اجتمع بالشيخ أبي العباس الشاذلي تلميذ الشيخ أبي الحسن فقال عن التلمساني : هؤلاء كفار هؤلاء يعتقدون أن الصنعة هي الصانع .

قال : وكنت قد عزمت على أن أدخل الخلوة على يده فقلت : أنا لا آخذ عنه هذا وإنما أتعلم منه أدب الخلوة فقال لي : مثلك مثل من يريد أن يتقرب إلى السلطان على يد صاحب الأتون والزبال فإذا كان الزبال هو الذي يقربه إلى السلطان : كيف يكون حاله عند السلطان ؟ .

وحدثنا أيضا قال : قال لي قاضي القضاة تقي الدين ابن دقيق العيد : إنما استولت التتار على بلاد المشرق ; لظهور الفلسفة فيهم ; وضعف [ ص: 246 ] الشريعة فقلت له : ففي بلادكم مذهب هؤلاء الذين يقولون بالاتحاد وهو شر من مذهب الفلاسفة ؟ فقال : قول هؤلاء لا يقوله عاقل بل كل عاقل يعلم فساد قول هؤلاء - يعني أن فساده ظاهر - فلا يذكر هذا فيما يشتبه على العقلاء بخلاف مقالة الفلاسفة فإن فيها شيئا من المعقول وإن كانت فاسدة .

وحدثني تاج الدين الأنباري الفقيه المصري الفاضل أنه سمع الشيخ إبراهيم الجعبري يقول : رأيت ابن عربي شيخا مخضوب اللحية وهو شيخ نجس يكفر بكل كتاب أنزله الله وكل نبي أرسله الله .

وحدثني الشيخ رشيد الدين بن المعلم أنه قال : كنت وأنا شاب بدمشق أسمع الناس يقولون عن ابن عربي والخسروشاهي : أن كلاهما زنديق - أو كلاما هذا معناه - وحدثني عن الشيخ إبراهيم الجعبري : أنه حضر ابن الفارض عند الموت وهو ينشد : -

إن كان منزلتي في الحب عندكم     ما قد لقيت فقد ضيعت أيامي
أمنية ظفرت نفسي بها زمنا     واليوم أحسبها أضغاث أحلام

وحدثني الفقيه الفاضل تاج الدين الأنباري أنه سمع الشيخ إبراهيم الجعبري يقول : رأيت في منامي ابن عربي وابن الفارض وهما شيخان أعميان يمشيان ويتعثران ويقولان كيف الطريق ؟ أين الطريق ؟ .

[ ص: 247 ] وحدثني شهاب الدين المزي عن شرف الدين ابن الشيخ نجم الدين ابن الحكيم عن أبيه أنه قال : قدمت دمشق فصادفت موت ابن عربي فرأيت جنازته كأنما ذر عليها الرماد فرأيتها لا تشبه جنائز الأولياء - أو قال - فعلمت أن هذه أو نحو هذا وعن أبيه عن الشيخ إسماعيل الكوراني أنه كان يقول : ابن عربي شيطان وعنه أنه كان يقول عن الحريري إنه شيطان .

وحدثني شهاب الدين عن القاضي شرف الدين البازيلي أن أباه كان ينهاه عن كلام ابن عربي وابن الفارض وابن سبعين .

التالي السابق


الخدمات العلمية