صفحة جزء
فصل وهذا النزاع في قوله : { قل يا أيها الكافرون } هل هو خطاب لجنس الكفار كما قاله الأكثرون أو لمن علم أنه يموت كافرا كما قاله بعضهم يتعلق بمسمى " الكافر " ومسمى " المؤمن " .

[ ص: 582 ] فطائفة تقول : هذا إنما يتناول من وافى القيامة بالإيمان . فاسم المؤمن عندهم إنما هو لمن مات مؤمنا . فأما من آمن ثم ارتد فذاك ليس عندهم بإيمان .

وهذا اختيار الأشعري وطائفة من أصحاب أحمد وغيرهم . وهكذا يقال : الكافر [ من ] مات كافرا .

وهؤلاء يقولون : إن حب الله وبغضه ورضاه وسخطه وولايته وعداوته إنما يتعلق بالموافاة فقط . فالله يحب من علم أنه يموت مؤمنا . ويرضى عنه ويواليه بحب قديم وموالاة قديمة . ويقولون : إن عمر حال كفره كان وليا لله .

وهذا القول معروف عن ابن كلاب ومن تبعه كالأشعري وغيره .

وأكثر الطوائف يخالفونه في هذا فيقولون : بل قد يكون الرجل عدوا لله ثم يصير وليا لله ويكون الله يبغضه ثم يحبه . وهذا مذهب الفقهاء والعامة . وهو قول المعتزلة والكرامية والحنفية قاطبة وقدماء المالكية والشافعية والحنبلية .

وعلى هذا يدل القرآن كقوله { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله } { وإن تشكروا يرضه لكم } . وقوله { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا } فوصفهم بكفر بعد إيمان وإيمان بعد كفر . وأخبر عن الذين كفروا أنهم كفار وأنهم إن انتهوا يغفر لهم ما قد سلف . وقال { فلما آسفونا انتقمنا منهم } وقال { ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم } .

وفي الصحيحين في حديث الشفاعة : تقول الأنبياء : " { إن ربي قد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله .

ولن يغضب بعده مثله
} " . وفي دعاء الحجاج عند الملتزم عن ابن عباس وغيره : " فإن كنت رضيت عني فازدد عني رضا وإلا فمن الآن فارض عني " . وبعضهم حذف " فارض عني فظن بعض الفقهاء أنه " فمن الآن " أنه من " المن " . وهو تصحيف . وإنما هو من حروف الجر كما في تمام الكلام وإلا فمن الآن فارض عني .

فبين أنه يزداد رضا وأنه يرضى في وقت محدود . وشواهد هذا كثيرة . وهو مبسوط في مواضع .

فصل ونظير القول في { قل يا أيها الكافرون } القولان في قوله { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } فإن للناس في هذه الآية قولين .

[ ص: 584 ] أحدهما : أنها خاصة بمن يموت كافرا . وهذا منقول عن مقاتل كما قال في قوله { قل يا أيها الكافرون } . وكذلك نقل عن الضحاك . قالا : نزلت في مشركي العرب كأبي جهل وأبي طالب وأبي لهب ممن لم يسلم . وقال الضحاك : نزلت في أبي جهل وخمسة من أهل بيته .

وطائفة من المفسرين لم يذكروا غير هذا القول كالثعلبي والبغوي وابن الجوزي . قال البغوي : هذه الآية في أقوام حقت عليهم كلمة الشقاوة في سابق علم الله .

وقال ابن الجوزي قال شيخنا علي بن عبيد الله : وهذه الآية وردت بلفظ العموم والمراد بها الخصوص لأنها آذنت بأن الكفار حين إنذارهم لا يؤمنون وقد آمن كثير من الكفار عند إنذارهم . ولو كانت على ظاهرها في العموم لكان خبر الله بخلاف مخبره فلذلك وجب نقلها إلى الخصوص .

والقول الثاني : أن الآية على مقتضاها والمراد بها أن الإنذار وعدمه سواء بالنسبة إلى الكافر ما دام كافرا لا ينفعه الإنذار ولا يؤثر فيه كما قيل مثل ذلك في الآيات أنها غير موجبة للإيمان . وقد جمع بينهما في قوله { وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون } .

[ ص: 585 ] فالآيات أفقية وأرضية وقرآنية وهي أدلة العلم . والإنذار يقتضي الخوف . فالآيات لمن إذا عرف الحق عمل به فهذا تنفعه الحكمة . والإنذار لمن يعرف الحق وله هوى يصده فينذر بالعذاب الذي يدعوه إلى مخالفة هواه وهو خوف العذاب . وهذا هو الذي يحتاج إلى الموعظة الحسنة . وآخر لا يقبل الحق فيحتاج إلى الجدل فيجادل بالتي هي أحسن .

وقد قال تعالى : { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله } وقال { إنما أنت منذر من يخشاها } { إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب } .

فالمراد أن الكافر ما دام كافرا لا يقبل الحق سواء أنذر أم لم ينذر ولا يؤمن ما دام كذلك . لأن على قلبه وسمعه وبصره موانع تصد عن الفهم والقبول . وهكذا حال من غلب عليه هواه .

وهو سبحانه لم يقل " إنهم لا يؤمنون " . وقيل ذلك لمن سبقت عليه الشقوة أو حقت عليه الكلمة كقوله { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون } { ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } فبين أن هؤلاء لا يؤمنون إلا حين لا ينفعهم إيمانهم وقت [ ص: 586 ] رؤية العذاب الأليم كإيمان فرعون المذكور قبلها . وموسى قد دعا عليه فقال { ربنا اطمس على أموالهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم } { قال قد أجيبت دعوتكما } .

وأما إذا أطلق سبحانه الكفار فهو مثل قوله { ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } الآية . فبين أنهم قد يؤمنوا إذا شاء .

وآية البقرة مطلقة عامة . فإنه ذكر في أول السورة أربع آيات في صفة المؤمنين . وآيتين في صفة الكافرين وبضع عشرة آية في المنافقين . فبين حال الكافر المصر على كفره أن الإنذار لا ينفعه للحجب التي على قلبه وسمعه وبصره . وليس قال : إن الله لا يهدي أحدا من هؤلاء فيسمع ويقبل . ولكن هو حين يكون كافرا لا تتناوله الآية . وهذا كما يقال في الكافر الحربي : لا يجوز أن تعقد له الذمة ولا يكون قط من أهل دار الإسلام ما دام حربيا .

فالكفار ما داموا كفارا هم بهذه المثابة . لهم موانع تمنعهم من الإيمان كما أن للمنافقين موانع تمنعهم ما داموا كذلك وإن أنذروا . وهذا كقوله { ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون } فهذا مثل كل كافر ما دام كافرا .

[ ص: 587 ] وذلك لا يمنع أن يكونوا قد يسمعون [ إذا زال الغطاء الذي على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم فإنهم لا يسمعون ] لذلك المعنى المشتق منه وهو الكفر . فما داموا هذه حالهم فهم كذلك ولكن تغير الحال ممكن كما قال { إلا أن يشاء الله } وكما هو الواقع .

ومثل هذا يفيد أن الإنسان لا يعتقد أنه بدعائه وإنذاره وبيانه يحصل الهدى ولو كان أكمل الناس وأن الداعي وإن كان صالحا ناصحا مخلصا فقد لا يستجيب المدعو لا لنقص في الدعاء لكن لفساد في المدعو .

وهذا لأن حصول المطلوب متوقف على فعل الفاعل وقبول القابل كالسيف القاطع يؤثر بشرط قبول المحل فيه لا يقطع الحجارة والحديد ونحو ذلك . والنفخ يؤثر إذا كان هناك قابل لا يؤثر في الرماد .

والدعاء والتعليم والإرشاد . وكل ما كان من هذا الجنس له فاعل وهو المتكلم بالعلم والهدى والنذارة وله قابل وهو المستمع . فإذا كان المستمع قابلا حصل الإنذار التام والتعليم التام والهدى التام . وإن لم يكن قابلا قيل : علمته فلم يتعلم وهديته فلم يهتد وخاطبته فلم يصغ ونحو ذلك .

[ ص: 588 ] فقوله في القرآن { هدى للمتقين } هو من هذا . إنما يهتدي من يقبل الاهتداء وهم المتقون لا كل أحد . وليس المراد أنهم كانوا متقين قبل اهتدائهم بل قد يكونوا كفارا . لكن إنما يهتدي به من كان متقيا . فمن اتقى الله اهتدى بالقرآن . والعلم والإنذار إنما يكون بما أمر به القرآن .

وهكذا قوله { لينذر من كان حيا } الإنذار التام فإن الحي يقبله . ولهذا قال { ويحق القول على الكافرين } فهم لم يقبلوا الإنذار .

ومثله قوله { إنما أنت منذر من يخشاها } .

وعكسه قوله { وما يضل به إلا الفاسقين } أي كل من ضل به فهو فاسق . فهو ذم لمن يضل به فإنه فاسق . ليس أنه كان فاسقا قبل ذلك .

ولهذا تأولها سعد بن أبي وقاص في الخوارج وسماهم " فاسقين " لأنهم ضلوا بالقرآن . فمن ضل بالقرآن فهو فاسق .

فقوله { إن الذين كفروا } من هذا الباب . والتقدير : من ختم على قلبه وجعل على سمعه وبصره غشاوة فسواء عليك أنذرته أم لم تنذره هو لا يؤمن أي ما دام كذلك .

[ ص: 589 ] ولكن هذا قد يزول وفي صفة النبي صلى الله عليه وسلم { إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا } وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك " المتوكل " لست بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق . ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر . ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء فأفتح [ به ] أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا .

وقد قال { لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون } { لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون } فدل على أن بعضهم يؤمنون . ثم قال { إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا } إلى قوله { إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب } فهذا هو الإنذار التام وهو الإنذار الذي يقبله المنذر وينتفع به .

وقوله { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم } هو أصل الإنذار كما يقال في البليد والمشغول الذهن بأمور الدنيا والشهوات : سواء عليك أعلمته أم لم تعلمه لا يتعلم ولا يقبل الهدى ويقال في الذكي الفارغ : إنما يتعلم مثل هذا . ثم المشغول قد يتفرغ . وقد يصلح ذهن بعد فساده ويفسد بعد صلاحه لفساد قلبه وصلاحه .

وعلى هذا القول أكثر تفسير السلف كما ذكره ابن إسحاق وقد رواه ابن أبي حاتم وغيره . قال ابن إسحاق حدثني محمد بن أبي [ ص: 590 ] محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس : { إن الذين كفروا } أي بما أنزل إليك وإن قالوا : إنا قد آمنا بما جاءنا قبلك { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } أي إنهم قد كفروا بما عندهم من ذكرك وجحدوا ما أخذ عليهم من الميثاق فقد كفروا بما جاءك وبما عندهم مما جاءهم به غيرك . فكيف يسمعون منك إنذارا وتحذيرا ؟ فقد تبين أنهم لا يسمعون الإنذار لكفرهم بما عندهم وما جاءهم من الحق . ومعلوم أن منهم خلقا تابوا بعد ذلك وآمنوا .

وروي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال : آيتان في قادة الأحزاب { إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } . قال : هم الذين ذكرهم الله في هذه الآية { ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار } .

( قلت : جعلهم قادة الأحزاب لكونهم أضلوا الأتباع فأحلوهم دار البوار . والأحزاب يوم الخندق قد أسلم عامة قادتها وحسن إسلامهم مثل عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وأبي سفيان . وهؤلاء أسلم منهم من أسلم عام الفتح وهم الطلقاء . ومنهم من أسلم قبل ذلك . والحزب الآخر غطفان وقد أسلموا أيضا .

[ ص: 591 ] والآية لا بد أن تتناول كفار أهل الكتاب كما قال ابن إسحاق فإن السورة مدنية وإن تناولت مع ذلك المشركين . فهي تعم كل كافر . ومقاتل والضحاك يخصها ببعض مشركي العرب . وابن السائب يقول : هي إنما نزلت في اليهود منهم حيي بن أخطب . وكذلك ما ذكره ابن إسحاق عن ابن عباس أنها في اليهود . وأبو العالية يقول : إنها نزلت في قادة الأحزاب .

والآية تعم هؤلاء كلهم وغيرهم كما أن آيات المؤمنين والمنافقين كان سبب نزولها [ المؤمنين والمنافقين الموجودين وقت النزول وهي تعمهم ] وغيرهم من المؤمنين والمنافقين إلى قيام الساعة .

والمقصود أن قوله { سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون } كقوله { فإنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين } { وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم } وقوله { أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون } { ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون } .

وكل هذا فيه بيان أن مجرد دعائك وتبليغك وحرصك على هداهم ليس موجب ذلك وإنما يحصل ذلك إذا شاء الله هداهم فشرح صدورهم للإسلام كما قال تعالى { إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل } ففيه تعزية لرسوله صلى الله عليه وسلم وبينت الآية له أن تبليغك وإن لم يهتدوا به ففيه مصالح عظيمة غير ذلك .

وفيه بيان أن الهدى هدى الله . ف { من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا } وقد قال له { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء } . ففيه تقرير التوحيد وتقرير مقصود الرسالة .

وهو سبحانه أخبر عمن لا يؤمن فقال { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون } { ولو جاءتهم كل آية } . وقال { لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون } " ثم قال { لقد حق القول على أكثرهم فهم لا يؤمنون } . فخص في هذه الآية وفي تلك { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك } . وهم الذين حق عليهم القول أي حق عليهم ما قاله الله سبحانه وكتبه وقدره . فجعل الموجب هو التقدير السابق وهو قوله .

والقول وإن كان قد يكون خبرا مجردا بما سيكون وقد يكون قولا يتضمن أشياء كاليمين المتضمنة للحض والمنع . فقد ذكر في مواضع تقدم اليمين كقوله { ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها ولكن حق القول مني } ونحو ذلك .

[ ص: 593 ] فهو خبر عما قاله أو قاله وكتبه . وهو التقدير الذي يتضمن أنه قدر ما يفعله وعلمه وكتبه كما تظاهرت النصوص بأن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة . والقدر تضمن علمه بما سيكون ومشيئته لوجود ما قدره وعلم أن سيخلقه .

والقول قد يكون خبرا وقد يكون فيه معنى الطلب الحض والمنع بالقسم وإما لكتابته على نفسه كقوله { كتب ربكم على نفسه الرحمة } وقوله { وكان حقا علينا نصر المؤمنين } وقوله " { يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا } " .

وأما قوله { ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين } فهذا مختص بالكفار . وهو الوعيد المتضمن الجزاء على الأعمال كما قال تعالى لإبليس { لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } .

وقوله { ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى } أي إن عذابهم له أجل مسمى إما يوم القيامة وإما في الدنيا كيوم بدر وإما عقب الموت وقد ذكر في الآية الأقوال الثلاثة . فلولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لكان العذاب لزاما أي لازما لهم . فإن المقتضي له قائم تام وهو كفرهم .

[ ص: 594 ] وأما إذا أطلق القول على الكفار من غير تقييد فإنه لا يريد من [ لا ] يؤمن منهم . فإن اللفظ لا يدل على ذلك ألبتة .

وأيضا فإن هذا لا فائدة فيه إذ كان أولئك غير معروفين وإنما هم طائفة قد حق عليهم القول وهم لا يتميزون من غيرهم . بل هو مأمور بإنذار الجميع وفيهم من يؤمن ومن لا يؤمن . فذكر اللفظ العام ; وإرادة أولئك دون غيرهم ليس فيه بيان للمراد الخاص . وذكر المعنى الذي أوجب أنهم لا يؤمنون قط ولا فيه تعليق الحكم بالمعنى العام . وكلام الله تعالى يصان عن مثل ذلك .

وما ذكر من الموانع هي موجودة في كل من لم يقبل الإنذار سواء كان كافرا أو منافقا أو فاسقا أو غير ذلك لسبب يوجب ذلك فيمتنع قبول الإنذار بسبب الموانع . ولكن هذه الموانع قد تزول فإنها ليست لازمة لكل كافر .

وإذا كان المانع ما سبق من القول الذي حق عليهم فقد لا يزول أبدا كما قال { إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون } { ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم } .

وقد يذكر هذا وهذا .

[ ص: 595 ] وأما إذا اقتصر على ذكر الموانع التي فيهم ولم يذكر ما سبق من القول فهذه الموانع يرجى زوالها ويمكن ما لم يذكر معها ما يقتضي امتناع تغير حالهم وحصول الهدى .

التالي السابق


الخدمات العلمية