صفحة جزء
[ ص: 404 ] فصل

وهو كما يشهد ربوبيته وتدبيره العالم المحيط وحكمته ورحمته : فكذلك يشهد إلهيته العامة ; فإنه الذي في السماء إله وفي الأرض إله إله في السماء وإله في الأرض { يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن } وكذلك قوله : { وهو الله في السماوات وفي الأرض } - الآية على أحد القولين على وقف من يقف عند قوله { وفي الأرض } فإن المعنى هو في السموات الله وفي الأرض الله ليس فيهما من هو الله غيره .

وهذا وإن كان مشابها لقوله : { وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله } فهو أبلغ منه . ونظيره قوله : { لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا } وقد قال : { وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم } وقال تعالى : { تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم } وقال : { أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون } وقوله تعالى { ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال } وقوله : { ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس } وقوله تعالى { وله من في السماوات والأرض كل له قانتون } { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض } وقوله : { سبح لله ما في السماوات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم } { يسبح لله ما في السماوات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم } ونحو ذلك - من معاني ألوهيته وخضوع الكائنات وإسلامها له وافتقارها إليه وسؤالها إياه ودعاء الخلق إياه ; إما دعاء عبادة وإما دعاء مسألة وإما دعاؤهما جميعا .

ومن أعرض عنه وقت الاختيار : { وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه } { أمن يجيب المضطر إذا دعاه } ونشهد أن كل معبود سواه من لدن عرشه إلى قرار أرضه فإنه باطل إلا وجهه الكريم كما نشهد أنها كلها مفتقرة إليه في مبدئها نشهد أنها مفتقرة إليه في منتهاها وإلا كانت باطلة .

فهذه المعاني التي فيها تأله الكائنات إياه وتعلقها به . والمعاني الأول التي فيها ربوبيته إياهم : وخلقه لهم : يوجب أن يعلم أنه رب الناس ملك الناس إله الناس وأنه رب العالمين لا إله إلا هو والكائنات ليس لها من نفسها شيء بل هي عدم محض ونفي صرف وما بها من وجود : فمنه وبه .

[ ص: 406 ] ثم إنه إليه مصيرها ومرجعها ; وهو معبودها وإلهها لا يصلح أن يعبد إلا هو كما لم يخلقها إلا هو لما هو مستحقه بنفسه ومتفرد به من نعوت الإلهية التي لا شريك له فيها ولا سمي له وليس كمثله شيء .

فهو الأول الذي ليس قبله شيء وهو الآخر الذي ليس بعده شيء وهو الظاهر الذي ليس فوقه شيء وهو الباطن الذي ليس دونه شيء وهو معنا أينما كنا ونعلم أن معيته مع عباده على أنواع وهم فيها درجات .

وكذلك ربوبيته لهم وعبوديتهم التي هم بها معبدون له وكذلك ألوهيتهم إياه وألوهيته لهم وعبادتهم التي هم بها عابدون وكذلك قربه منهم وقربهم منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية