صفحة جزء
[ ص: 41 ] وسئل رحمه الله عن القلتين : هل حديثه صحيح أم لا ؟ ومن قال : إنه قلة الجبل ; وفي سؤر الهرة إذا أكلت نجاسة ثم شربت من ماء دون القلتين : هل يجوز الوضوء به أم لا ؟


فأجاب : الحمد لله . قد صح عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له : إنك تتوضأ من بئر بضاعة وهي بئر يلقى فيها الحيض ; ولحوم الكلاب ; والنتن ؟ فقال : الماء طهور لا ينجسه شيء } وبئر بضاعة باتفاق العلماء وأهل العلم بها هي بئر ليست جارية وما يذكر عن الواقدي من أنها جارية : أمر باطل ; فإن الواقدي لا يحتج به باتفاق أهل العلم ولا ريب أنه لم يكن بالمدينة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماء جار وعين الزرقاء وعيون حمزة محدثة بعد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبئر بضاعة باقية إلى اليوم في شرقي المدينة وهي معروفة .

وأما حديث القلتين فأكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتج به وقد أجابوا عن كلام من طعن فيه وصنف أبو عبد [ ص: 42 ] الله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءا رد فيه ما ذكره ابن عبد البر وغيره .

وأما لفظ القلة فإنه معروف عندهم أنه الجرة الكبيرة كالحب وكان صلى الله عليه وسلم يمثل بهما كما في الصحيحين أنه قال في سدرة المنتهى : { وإذا ورقها مثل آذان الفيلة وإذا نبقها مثل قلال هجر } وهي قلال معروفة الصفة والمقدار ; فإن التمثيل لا يكون بمختلف متفاوت .

وهذا مما يبطل كون المراد قلة الجبل لأن قلال الجبال فيها الكبار والصغار وفيها المرتفع كثيرا وفيها ما هو دون ذلك وليس في الوجود ماء يصل إلى قلال الجبل إلا ماء الطوفان فحمل كلام النبي صلى الله عليه وسلم على مثل هذا يشبه الاستهزاء بكلامه .

ومن عادته صلى الله عليه وسلم أنه يقدر المقدرات بأوعيتها كما قال : { ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة } والوسق حمل الجمل وكما كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع وذلك من أوعية الماء وهكذا تقدير الماء بالقلال مناسب فإن القلة وعاء الماء .

وأما الهرة فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات } .

[ ص: 43 ] وتنازع العلماء فيما إذا أكلت فأرة ونحوها ثم ولغت في ماء قليل على أربعة أقوال في مذهب أحمد وغيره . قيل : إن الماء طاهر مطلقا . وقيل نجس مطلقا حتى تعلم طهارة فمها . وقيل : إن غابت غيبة يمكن فيها ورودها على ما يطهر فمها كان طاهرا وإلا فلا . وهذه الأوجه في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما . وقيل إن طال الفصل كان طاهرا جعلا لريقها مطهرا لفمها لأجل الحاجة وهذا قول طائفة من أصحاب أبي حنيفة وأحمد وهو أقوى الأقوال والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية