صفحة جزء
[ ص: 403 ] فصل وقوله : { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون } دليل على أن التيمم مطهر كالماء سواء .

وكذلك ثبت في صحيح السنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين . فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك فإن ذلك خير } رواه الترمذي وصححه ورواه أبو داود والنسائي .

وفي الصحيح عنه : قال { جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا } .

وهو - صلى الله عليه وسلم - جعل التراب طهورا في طهارة الحدث وطهارة الجنب . كما قال في حديث أبي سعيد { إذا أتى أحدكم المسجد فليقلب نعليه فلينظر فيهما فإن كان بهما أذى - أو خبث - فليدلكهما بالتراب . فإن التراب لهما طهور } وقال في حديث أم سلمة [ ص: 404 ] { ذيل المرأة يطهره ما بعده } .

فدل على أن التيمم مطهر يجعل صاحبه طاهرا كما يجعل الماء مستعمله في الطهارة طاهرا إن لم يكن جنبا ولا محدثا . فمن قال : إن المتيمم جنب أو محدث فقد خالف الكتاب والسنة . بل هو متطهر .

وقوله في حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه { أصليت بأصحابك وأنت جنب } ؟ " استفهام . أي هل فعلت ذلك ؟ فأخبره عمرو رضي الله عنه أنه لم يفعله بل تيمم لخوفه : أن يقتله البرد . فسكت عنه وضحك . ولم يقل شيئا .

فإن قيل : إن هذا إنكار عليه : أنه صلى مع الجنابة . فإنه يدل على أن الصلاة مع الجنابة لا تجوز . فإنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر ما هو منكر فلما أخبره : أنه صلى بالتيمم . دل على أنه لم يصل وهو جنب .

فالحديث حجة على من احتج به وجعل المتيمم جنبا ومحدثا . والله يقول : { وإن كنتم جنبا فاطهروا } فلم يجز الله له الصلاة حتى يتطهر . والمتيمم قد تطهر بنص الكتاب والسنة . فكيف يكون جنبا [ ص: 405 ] غير متطهر ؟ لكنها طهارة بدل . فإذا قدر على الماء بطلت هذه الطهارة وتطهر بالماء حينئذ . لأن البول المتقدم جعله محدثا . والصعيد جعله مطهرا إلى أن يجد الماء . فإن وجد الماء فهو محدث بالسبب المتقدم لا أن الحدث كان مستمرا .

ثم من قال : التيمم مبيح لا رافع فإن نزاعه لفظي . فإنه إن قال : إنه يبيح الصلاة مع الجنابة والحدث وإنه ليس بطهور فهو يخالف النصوص . والجنابة محرمة للصلاة . فيمتنع أن يجتمع المبيح والمحرم على سبيل التمام فإن ذلك يقتضي اجتماع الضدين . والمتيمم غير ممنوع من الصلاة . فالمنع ارتفع بالاتفاق وحكم الجنابة المنع . فإذا قيل بوجوده بدون مقتضاها - وهو المنع - فهذا نزاع لفظي .

التالي السابق


الخدمات العلمية