صفحة جزء
وسئل عن المرأة إذا كانت بعيدة عن الحمام وحصل لها جنابة وتخشى من الغسل في البيت من البرد . هل لها أن تتيمم وتصلي ؟ وإذا أراد زوجها الجماع وتخاف من البرد عليه وعليها . هل له أن يتيمم ؟ أو يغتسل مع القدرة . وتتيمم هي ؟ أم يترك الجماع . فإذا جامعها وأرادت الدخول إلى الحمام للتطهر هل تتيمم وتجمع بين الصلاتين ؟ أو تصلي في الحمام بالغسل ؟ وهل لها إذا طهرت من الحيض ولم تغتسل أن تتيمم ويجامعها زوجها أم لا ؟ وهل يحتاج التيمم للجنابة إلى وضوء [ ص: 450 ] أم لا ؟ وإذا احتاج هل يقدم الوضوء أم التيمم ؟ وهل يحتاج التيمم لكل صلاة ؟ أم يصلي الصلوات بتيمم واحد ؟ وإذا طهرت المرأة آخر النهار - أو آخر الليل - وعجزت عن الغسل للبرد وغيره هل تتيمم وتصلي ؟ وهل تقضي صلاة اليوم الذي طهرت فيه ؟ أو الليلة ؟ .

ومن أصابه جرح أو كسر وعصبه هل يمسح على العصابة أم يتيمم عن الوضوء للمجروح ؟ وبعض الأعضاء يعجز عن إمرار الماء عليه بسبب الجرح أو الكسر وهل يترك الجماع في هذه الحالة أو يفعله ويتيمم ولو علم أن مدة المداواة تطول فيطول تيممه ؟ وهل للمرأة أيضا منع الزوج من الجماع إذا كانت لا تقدر على الغسل ؟ أم تطيعه وتتيمم ؟ ومن وجد الحمام بعيدا متى وصل إليه خرج الوقت هل يتيمم أم يذهب إليه ولو خرج الوقت ؟ ومن خاف فوات الجماعة إذا تطهر بالماء هل يتيمم ليحصل على الجماعة أم لا ؟ ومن معه رفقة يريدون الجمع فهل الأفضل له الجمع معهم لتحصيل الجماعة ; أم يصلي وحده في الوقت ؟ وقد يكون هو إمامهم فأيما أفضل في حقه جمعا أم الصلاة وحده في وقت كل صلاة ؟ ومن كان له صناعة يعملها هو وصناع أخر ويشق عليه الصلاة في وقتها ويبطل الصناع هل يجمع بين الصلاتين ؟ وكذلك إذا كان في حراثة وزراعة ويشق عليه طلب الماء هل يتيمم ويصلي ؟ ومن يتيمم [ ص: 451 ] هل يقرأ القرآن في غير الصلاة ؟ ويصلي ورده بالليل ؟ وهل للمرأة الجنب أو الحائض أن تقرأ على ولدها الصغير ؟ ومن لم يجد ترابا هل يتيمم على البساط أو الحصير إذا كان فيهما غبار ؟ .


فأجاب : الحمد لله رب العالمين . من أصابته جنابة من احتلام أو جماع حلال أو حرام فعليه أن يغتسل ويصلي فإن تعذر عليه الاغتسال لعدم الماء أو لتضرره باستعماله : مثل أن يكون مريضا يزيد الاغتسال في مرضه أو يكون الهواء باردا وإن اغتسل خاف أن يمرض بصداع أو زكام أو نزلة فإنه يتيمم ويصلي . سواء كان رجلا أو امرأة وليس له أن يؤخر الصلاة عن وقتها وليس للمرأة أن تمنع زوجها من الجماع . بل له أن يجامعها فإن قدرت على الاغتسال وإلا تيممت .

وكذلك الرجل إن قدر على الاغتسال وإلا تيمم وله أن يجامعها قبل دخول الحمام فإن قدرت على أن تغتسل وتصلي خارج الحمام فعلت وإن خافت أن تفوتها الصلاة استترت في الحمام وصلت ولا تفوت الصلاة والجمع بين الصلاتين بطهارة كاملة بالماء خير من أن يفرق بين الصلاتين بالتيمم كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - المستحاضة أن تجمع بين الصلاتين بغسل واحد وجعل ذلك خيرا من التفريق بوضوء .

[ ص: 452 ] وأيضا فالجمع بين الصلاتين مشروع لحاجة دنيوية فلأن يكون مشروعا لتكميل الصلاة أولى والجامع بين الصلاتين مصل في الوقت والنبي - صلى الله عليه وسلم - جمع بين الظهر والعصر بعرفه في وقت الظهر ; لأجل تكميل الوقوف واتصاله ; وإلا فقد كان يمكنه أن ينزل فيصلي فجمع بين الصلاتين لتكميل الوقوف فالجمع لتكميل الصلاة أولى .

وأيضا فإنه جمع بالمدينة للمطر وهو نفسه صلى الله عليه وسلم لم يكن يتضرر بالمطر بل جمع لتحصيل الصلاة في الجماعة والجمع لتحصيل الجماعة خير من التفريق والانفراد والجمع بين الصلاتين خير من الصلاة في الحمام فإن أعطان الإبل والحمام نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيهما والجمع مشروع . بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها فإن ذلك وقتها } ثم إنه لما نام عن الصلاة انتقل وقال : { هذا واد حضرنا فيه الشيطان } فأخر الصلاة عن الوقت المأمور به لكون البقعة حضر فيها الشيطان وتلك البقعة تكره الصلاة فيها وتجوز ; لكن يستحب الانتقال عنها وقد نص على ذلك أحمد بن حنبل وغيره .

والحمام وأعطان الإبل مسكن الشياطين ; ولهذا حرم الصلاة فيها والجمع مشروع للمصلحة الراجحة فإذا جمع لئلا يصلي في أماكن [ ص: 453 ] الشياطين كان قد أحسن والمرأة إذا لم يكن يمكنها الجمع بطهارة الماء جمعت بطهارة التيمم فإن الصلاة بالتيمم في الوقت المشروع خير من التفريق ومن الصلاة في الأماكن المنهي عنها وإذا أمكن الرجل والمرأة أن يتوضآ ويتيمما فعلا فإن اقتصرا على التيمم أجزأهما في إحدى الروايتين للعلماء .

ومذهب أبي حنيفة ومالك لا يجمع بين طهارة الماء وطهارة التيمم - بين الأصل والبدل - بل إما هذا وإما هذا . ومذهب الشافعي وأحمد : بل يغتسل بالماء ما أمكنه ويتيمم للباقي . وإذا توضأ وتيمم فسواء قدم هذا أو هذا لكن تقديم الوضوء أحسن ويجوز أن يصلي الصلوات بتيمم واحد كما يجوز بوضوء واحد وغسل واحد في أظهر قولي العلماء . وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم { الصعيد الطيب طهور المسلم ولو لم يجد الماء عشر سنين . فإذا وجدت الماء فأمسه بشرتك فإن ذلك خير } .

والمرأة إذا طهرت من الحيض فإن قدرت على الاغتسال وإلا تيممت وصلت فإن طهرت في آخر النهار صلت الظهر والعصر . وإن طهرت في آخر الليل صلت المغرب والعشاء ولا يقضي أحد ما صلاه بالتيمم . وإذا كان الجرح مكشوفا وأمكن مسحه بالماء فهو خير من التيمم [ ص: 454 ] وكذلك إذا كان معصوبا أو كسر عظمه فوضع عليه جبيرة فمسح ذلك بالماء خير من التيمم والمريض والجريح والمكسور إذا أصابته جنابة بجماع وغيره والماء يضره يتيمم ويصلي أو يمسح على الجبيرة ويغسل سائر بدنه إن أمكنه ويصلي .

وليس للمرأة أن تمنع زوجها الجماع بل يجامعها . فإن قدرت على الاغتسال وإلا تيممت وصلت . وإذا طهرت من الحيض لم يجامعها إلا بعد الاغتسال وإلا تيممت ووطئها زوجها . ويتيمم الواطئ حيث يتيمم للصلاة .

وإذا دخل وقت الصلاة كطلوع الفجر ولم يمكنه إذا اغتسل أن يصلي حتى تطلع الشمس ; لكون الماء بعيدا أو الحمام مغلوقة أو لكونه فقيرا وليس معه أجرة الحمام فإنه يتيمم ويصلي في الوقت ولا يؤخر الصلاة حتى يفوت الوقت . وأما إذا استيقظ وقد ضاق الوقت عن الاغتسال فإن كان الماء موجودا فهذا يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس عند أكثر العلماء فإن الوقت في حقه من حين استيقظ بخلاف اليقظان فإن الوقت في حقه من حين طلوع الفجر .

ولا بد من الصلاة في وقتها ولا يجوز تأخيرها عن الوقت لأحد أصلا لا بعذر ولا بغير عذر . لكن يصلي في الوقت بحسب الإمكان [ ص: 455 ] فيصلي المريض بحسب حاله في الوقت . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : { صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب } فيصلي في الوقت قاعدا ولا يصلي بعد خروج الوقت قائما وكذلك العراة كالذين انكسرت بهم السفينة يصلون في الوقت عراة ولا يؤخرونها ليصلوا في الثياب بعد الوقت .

وكذلك من اشتبهت عليه القبلة فيصلي في الوقت بالاجتهاد والتقليد ولا يؤخرها ليصلي بعد الوقت باليقين .

وكذلك من كان عليه نجاسة في بدنه أو ثوبه لا يمكنه إزالتها حتى تفوت الصلاة فيصلي بها في الوقت ولا يفوت الصلاة ليصلي طاهرا .

وكذلك من حبس في مكان نجس أو كان في حمام أو غير ذلك مما نهي عن الصلاة فيه ولا يمكنه الخروج منه حتى تفوت الصلاة فإنه يصلي في الوقت ولا يفوت الصلاة ليصلي في غيره . فالصلاة في الوقت فرض بحسب الإمكان والاستطاعة . وإن كانت صلاة ناقصة حتى الخائف يصلي صلاة الخوف في الوقت بحسب الإمكان ولا يفوتها ليصلي صلاة أمن بعد خروج الوقت حتى في حال المقاتلة يصلي ويقاتل ولا يفوت الصلاة ليصلي بلا قتال فالصلاة المفروضة في الوقت وإن كانت ناقصة خير من تفويت الصلاة بعد الوقت وإن كانت كاملة ; [ ص: 456 ] بل الصلاة بعد تفويت الوقت عمدا لا تقبل من صاحبها ولا يسقط عنه إثم التفويت المحرم . ولو قضاها باتفاق المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية