صفحة جزء
[ ص: 50 ] وسئل عمن يؤمر بالصلاة فيمتنع ، وماذا يجب عليه ؟ ومن اعتذر بقوله : { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله } هل يكون له عذر في أنه لا يعاقب على ترك الصلاة ، أم لا ؟ وماذا يجب على الأمراء وولاة الأمور في حق من تحت أيديهم إذا تركوا الصلاة ؟ وهل قيامهم في ذلك من أعظم الجهاد وأكبر أبواب البر ؟ .


فأجاب : الحمد لله ، من يمتنع عن الصلاة المفروضة فإنه يستحق العقوبة الغليظة باتفاق أئمة المسلمين ، بل يجب عند جمهور الأمة : كمالك ، والشافعي ، وأحمد ، وغيرهم أن يستتاب ، فإن تاب وإلا قتل .

بل تارك الصلاة شر من السارق والزاني ، وشارب الخمر ، وآكل الحشيشة .

ويجب على كل مطاع أن يأمر من يطيعه بالصلاة ، حتى الصغار الذين لم يبلغوا ، قال النبي صلى الله عليه وسلم { مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر ، وفرقوا بينهم في المضاجع .

} [ ص: 51 ] ومن كان عنده صغير مملوك أو يتيم أو ولد فلم يأمره بالصلاة فإنه يعاقب الكبير إذا لم يأمر الصغير ، ويعزر الكبير على ذلك تعزيرا بليغا ; لأنه عصى الله ورسوله ، وكذلك من عنده مماليك كبار ، أو غلمان الخيل والجمال والبزاة ، أو فراشون أو بابية يغسلون الأبدان والثياب ، أو خدم ، أو زوجة ، أو سرية ، أو إماء ، فعليه أن يأمر جميع هؤلاء بالصلاة ، فإن لم يفعل كان عاصيا لله ورسوله ، ولم يستحق هذا أن يكون من جند المسلمين ، بل من جند التتار . فإن التتار يتكلمون بالشهادتين ، ومع هذا فقتالهم واجب بإجماع المسلمين .

وكذلك كل طائفة ممتنعة عن شريعة واحدة من شرائع الإسلام الظاهرة ، أو الباطنة المعلومة ، فإنه يجب قتالها ، فلو قالوا : نشهد ولا نصلي قوتلوا حتى يصلوا ، ولو قالوا : نصلي ولا نزكي قوتلوا حتى يزكوا ، ولو قالوا : نزكي ولا نصوم ولا نحج ، قوتلوا حتى يصوموا رمضان . ويحجوا البيت . ولو قالوا : نفعل هذا لكن لا ندع الربا ، ولا شرب الخمر ، ولا الفواحش ، ولا نجاهد في سبيل الله ، ولا نضرب الجزية على اليهود والنصارى ، ونحو ذلك . قوتلوا حتى يفعلوا ذلك . كما قال تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله

} وقد قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } { فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله

} [ ص: 52 ] والربا آخر ما حرم الله ، وكان أهل الطائف قد أسلموا وصلوا وجاهدوا ، فبين الله أنهم إذا لم ينتهوا عن الربا ، كانوا ممن حارب الله ورسوله .

وفي الصحيحين أنه لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفر من كفر من العرب ، قال عمر لأبي بكر : كيف تقاتل الناس ؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله . وأني رسول الله . فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها } فقال أبو بكر : ألم يقل : إلا بحقها ؟ . والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه . قال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعلمت أنه الحق .

وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر الخوارج فقال : { يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم ، وصيامه مع صيامهم ، وقراءته مع قراءتهم ، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، أينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا عند الله لمن قتلهم يوم القيامة } .

فإذا كان الذين يقومون الليل ، ويصومون النهار ، ويقرءون [ ص: 53 ] القرآن ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم ; لأنهم فارقوا السنة والجماعة ، فكيف بالطوائف الذين لا يلتزمون شرائع الإسلام ، وإنما يعملون بما ساق ملوكهم ، وأمثال ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية