صفحة جزء
وسئل رحمه الله عن قوله صلى الله عليه وسلم { لا يحل لرجل يؤم قوما فيخص نفسه بالدعاء دونهم فإن فعل فقد خانهم } . فهل يستحب للإمام أنه كلما دعا الله عز وجل أن يشرك المأمومين ؟ وهل صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخص نفسه بدعائه في صلاته دونهم ؟ [ ص: 117 ] فكيف الجمع بين هذين ؟ .


فأجاب : الحمد لله رب العالمين . قد ثبت في الصحيحين { عن أبي هريرة . أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة . ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي . كما باعدت بين المشرق والمغرب اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد } فهذا حديث صحيح صريح في أنه دعا لنفسه خاصة وكان إماما . وكذلك حديث علي في الاستفتاح الذي أوله { وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض - فيه - فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها فإنه لا يصرف عني سيئها إلا أنت } .

وكذلك ثبت في الصحيح أنه كان يقول بعد رفع رأسه من الركوع بعد قوله : { لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت } { اللهم طهرني من خطاياي بالماء والثلج والبرد اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس } . وجميع هذه الأحاديث المأثورة في دعائه بعد التشهد من فعله ومن أمره لم ينقل فيها إلا لفظ الإفراد . كقوله : { اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال } . وكذا دعاؤه بين [ ص: 118 ] السجدتين وهو في السنن من حديث حذيفة ومن حديث ابن عباس وكلاهما كان النبي صلى الله عليه وسلم فيه إماما أحدهما بحذيفة والآخر بابن عباس . وحديث حذيفة { رب اغفر لي رب اغفر لي } وحديث ابن عباس فيه { اغفر لي وارحمني واهدني وعافني وارزقني } ونحو هذا فهذه الأحاديث التي في الصحاح والسنن تدل على أن الإمام يدعو في هذه الأمكنة بصيغة الإفراد . وكذلك اتفق العلماء على مثل ذلك حيث يرون أنه يشرع مثل هذه الأدعية .

وإذا عرف ذلك تبين أن الحديث المذكور إن صح فالمراد به الدعاء الذي يؤمن عليه المأموم : كدعاء القنوت فإن المأموم إذا أمن كان داعيا قال الله تعالى لموسى وهارون : { قد أجيبت دعوتكما } وكان أحدهما يدعو والآخر يؤمن . وإذا كان المأموم مؤمنا على دعاء الإمام فيدعو بصيغة الجمع كما في دعاء الفاتحة في قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } فإن المأموم إنما أمن لاعتقاده . أن الإمام يدعو لهما جميعا فإن لم يفعل فقد خان الإمام المأموم .

فأما المواضع التي يدعو فيها كل إنسان لنفسه كالاستفتاح وما بعد التشهد ونحو ذلك فكما أن المأموم يدعو لنفسه فالإمام يدعو لنفسه . كما يسبح المأموم في الركوع والسجود إذا سبح الإمام في [ ص: 119 ] الركوع والسجود وكما يتشهد إذا تشهد ويكبر إذا كبر فإن لم يفعل المأموم ذلك فهو المفرط .

وهذا الحديث لو كان صحيحا صريحا معارضا للأحاديث المستفيضة المتواترة ولعمل الأمة والأئمة لم يلتفت إليه فكيف وليس من الصحيح ولكن قد قيل : إنه حسن ولو كان فيه دلالة لكان عاما وتلك خاصة والخاص يقضي على العام . ثم لفظه { فيخص نفسه بدعوة دونهم } يراد بمثل هذا إذا لم يحصل لهم دعاء وهذا لا يكون مع تأمينهم . وأما مع كونهم مؤمنين على الدعاء كلما دعا فيحصل لهم كما حصل له بفعلهم ولهذا جاء دعاء القنوت بصيغة الجمع : { اللهم إنا نستعينك ونستهديك } إلى آخره . ففي مثل هذا يأتي بصيغة الجمع ويتبع السنة على وجهها والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية