صفحة جزء
وسئل عن رجل استفاض عنه أنه يأكل الحشيشة وهو إمام فقال رجل : لا تجوز الصلاة خلفه فأنكر عليه رجل وقال : تجوز واحتج بقول النبي صلى الله عليه وسلم { تجوز الصلاة خلف البر والفاجر } فهذا الذي أنكر مصيب أم مخطئ ؟ وهل يجوز لآكل الحشيشة أن يؤم بالناس ؟ وإذا كان المنكر مصيبا فما يجب على الذي قام عليه ؟ وهل يجوز للناظر في المكان أن يعزله أم لا ؟ .


فأجاب : لا يجوز أن يولى في الإمامة بالناس من يأكل الحشيشة أو يفعل من المنكرات المحرمة مع إمكان تولية من هو خير منه . [ ص: 357 ] كيف وفي الحديث : { من قلد رجلا عملا على عصابة وهو يجد في تلك العصابة من هو أرضى لله فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين } وفي حديث آخر { اجعلوا أئمتكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين الله } . وفي حديث آخر { إذا أم الرجل القوم ، وفيهم من هو خير منه لم يزالوا في سفال } وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله . فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سنا } فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتقديم الأفضل بالعلم بالكتاب ثم بالسنة ثم الأسبق إلى العمل الصالح بنفسه ثم بفعل الله تعالى .

وفي سنن أبي داود وغيره : { أن رجلا من الأنصار كان يصلي بقوم إماما فبصق في القبلة فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يعزلوه عن الإمامة ولا يصلوا خلفه فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله هل أمرهم بعزله ؟ فقال : نعم إنك آذيت الله ورسوله } فإذا كان المرء يعزل لأجل إساءته في الصلاة وبصاقه في القبلة فكيف المصر على أكل الحشيشة لا سيما إن كان مستحلا للمسكر منها كما عليه طائفة من الناس فإن مثل هذا ينبغي أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل إذ السكر منها حرام بالإجماع واستحلال ذلك كفر بلا نزاع .

[ ص: 358 ] وأما احتجاج المعارض بقوله : { تجوز الصلاة خلف كل بر وفاجر } فهذا غلط منه لوجوه : أحدها : أن هذا الحديث لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم بل في سنن ابن ماجه عنه { لا يؤمن فاجر مؤمنا إلا أن يقهره بسوط أو عصا } . وفي إسناد الآخر مقال أيضا .

الثاني : أنه يجوز للمأموم أن يصلي خلف من ولي وإن كان تولية ذلك المولى لا تجوز فليس للناس أن يولوا عليهم الفساق وإن كان قد ينفذ حكمه أو تصح الصلاة خلفه .

الثالث : أن الأئمة متفقون على كراهة الصلاة خلف الفاسق لكن اختلفوا في صحتها : فقيل لا تصح . كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنهما . وقيل : بل تصح كقول أبي حنيفة والشافعي والرواية الأخرى عنهما ولم يتنازعوا أنه لا ينبغي توليته .

الرابع : أنه لا خلاف بين المسلمين في وجوب الإنكار على هؤلاء الفساق الذين يسكرون من الحشيشة ; بل الذي عليه جمهور الأئمة أن قليلها وكثيرها حرام بل الصواب أن آكلها يحد وأنها نجسة فإذا كان آكلها لم يغسل منها فمه كانت صلاته باطلة ولو غسل فمه [ ص: 359 ] منها أيضا فهي خمر . وفي الحديث { من شرب الخمر لم تقبل منه صلاة أربعين يوما فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد فشربها لم تقبل له صلاة أربعين يوما فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد فشربها في الثالثة أو الرابعة كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال : قيل : يا رسول الله وما طينة الخبال ؟ قال : عصارة أهل النار } . وإذا كانت صلاته تارة باطلة وتارة غير مقبولة فإنه يجب الإنكار عليه باتفاق المسلمين فمن لم ينكر عليه كان عاصيا لله ورسوله .

ومن منع المنكر عليه فقد حاد الله ورسوله ففي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره ; ومن قال : في مؤمن ما ليس فيه حبس في ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ومن خاصم في باطل وهو يعلم لم يزل في سخط الله حتى ينزع } فالمخاصمون [ عنه مخاصمون ] في باطل وهم في سخط الله . والحائلون ذلك الإنكار عليه مضادون لله في أمره وكل من علم حاله ولم ينكر عليه بحسب قدرته فهو عاص لله ورسوله والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية