صفحة جزء
[ ص: 41 ] وقال شيخ الإسلام فصل الأصل الثاني : الزكاة وهم أيضا متبعون فيها لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه آخذين بأوسط الأقوال الثلاثة أو بأحسنها في السائمة . فأخذوا في أوقاص الإبل بكتاب الصديق رضي الله عنه ومتابعته : المتضمن أن في الإبل الكثيرة في كل أربعين بنت لبون وفي كل خمسين حقة . لأنه آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم بخلاف الكتاب الذي فيه استئناف الفريضة بعد مائة وعشرين . فإنه متقدم على هذا لأن استعمال عمرو بن حزم على نجران كان قبل موته بمدة . وأما كتاب الصديق : فإنه صلى الله عليه وسلم كتبه ولم يخرجه إلى العمال حتى أخرجه أبو بكر .

وتوسطوا في المعشرات بين أهل الحجاز وأهل العراق . فإن أهل [ ص: 42 ] العراق كأبي حنيفة يوجبون العشر في كل ما أخرجت الأرض إلا القصب ونحوه في القليل والكثير منه بناء على أن العشر حق الأرض كالخراج . ولهذا لا يجمعون بين العشر والخراج . وأهل الحجاز لا يوجبون العشر إلا في النصاب المقدر بخمسة أوسق . ووافقهم عليه أبو يوسف ومحمد ولا يوجبون من الثمار إلا في التمر والزبيب وفي الزروع في الأقوات . ولا يوجبون في عسل ولا غيره . والشافعي على مذهب أهل الحجاز .

وأما أحمد وغيره من فقهاء الحديث : فيوافق في النصاب قول أهل الحجاز لصحة السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة ولا يوجبون الزكاة في الخضراوات ; لما في الترك من عمل النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه والأثر عنه لكن يوجبها في الحبوب والثمار التي تدخر وإن لم تكن تمرا أو زبيبا كالفستق والبندق جعلا للبقاء في المعشرات بمنزلة الحول في الماشية والجرين . فيفرق بين الخضراوات وبين المدخرات . وقد يلحق بالموسق الموزونات : كالقطن على إحدى الروايتين . لما في ذلك من الآثار عن الصحابة رضي الله عنهم .

ويوجبها في العسل لما فيه من الآثار التي جمعها هو وإن كان غيره لم تبلغه إلا من طريق ضعيفة وتسوية بين جنس ما أنزله الله من [ ص: 43 ] السماء وما أخرجه من الأرض .

ويجمعون بين العشر والخراج ; لأن العشر حق الزرع والخراج حق الأرض . وصاحبا أبي حنيفة قولهما هو قول أحمد أو قريب منه .

وأما مقدار الصاع والمد : ففيه ثلاثة أقوال : أحدها : أن الصاع خمسة أرطال وثلث ; والمد ربعه . وهذا قول أهل الحجاز في الأطعمة والمياه . وقصة مالك مع أبي يوسف فيه مشهورة وهو قول الشافعي وكثير من أصحاب أحمد أو أكثرهم .

والثاني : أنه ثمانية أرطال والمد ربعه . وهو قول أهل العراق في الجميع .

والقول الثالث : أن صاع الطعام خمسة أرطال وثلث وصاع الطهارة ثمانية أرطال . كما جاء بكل واحد منهما الأثر . فصاع الزكوات والكفارات وصدقة الفطر : هو ثلثا صاع الغسل والوضوء . وهذا قول طائفة من أصحاب أحمد وغيرهم ممن جمع بين الأخبار المأثورة في هذا الباب لمن تأمل الأخبار الواردة في ذلك .

[ ص: 44 ] ومن أصولها : أن أبا حنيفة أوسع في إيجابها من غيره فإنه يوجب في الخيل السائمة المشتملة على الآثار ويوجبها في جميع أنواع الذهب والفضة من الحلي المباح وغيره . ويجعل الركاز المعدن وغيره . فيوجب فيه الخمس لكنه لا يوجب ما سوى صدقة الفطر والعشر إلا على مكلف ويجوز الاحتيال لإسقاطها واختلف أصحابه : هل هو مكروه أم لا ؟ فكرهه محمد ولم يكرهه أبو يوسف . وأما مالك والشافعي : فاتفقا على أنه لا يشترط لها التكليف لما في ذلك من الآثار الكثيرة عن الصحابة .

ولم يوجبها في الخيل ولا في الحلي المباح ولا في الخارج إلا ما تقدم ذكره . وحرم مالك الاحتيال لإسقاطها وأوجبها مع الحيلة . وكره الشافعي الحيلة في إسقاطها .

وأما أحمد : فهو في الوجوب بين أبي حنيفة ومالك كما تقدم في المعشرات وهو يوجبها في مال المكلف وغير المكلف .

واختلف قوله في الحلي المباح . وإن كان المنصور عند أصحابه : أنه لا يجب . وقوله في الاحتيال كقول مالك يحرم الاحتيال لسقوطها [ ص: 45 ] ويوجبها مع الحيلة . كما دلت عليه سورة " ن " وغيرها من الدلائل .

والأئمة الأربعة وسائر الأمة - إلا من شذ - متفقون على وجوبها في عرض التجارة . سواء كان التاجر مقيما أو مسافرا . وسواء كان متربصا - وهو الذي يشتري التجارة وقت رخصها ويدخرها إلى وقت ارتفاع السعر - أو مديرا كالتجار الذين في الحوانيت سواء كانت التجارة بزا من جديد أو لبيس أو طعاما من قوت أو فاكهة . أو أدم أو غير ذلك أو كانت آنية كالفخار ونحوه أو حيوانا من رقيق أو خيل أو بغال أو حمير أو غنم معلوفة أو غير ذلك فالتجارات هي أغلب أموال أهل الأمصار الباطنة كما أن الحيوانات الماشية هي أغلب الأموال الظاهرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية