صفحة جزء
[ ص: 255 ] سئل عن عرض الأديان عند الموت : - هل لذلك أصل في الكتاب والسنة أم لا ؟ وقوله صلى الله عليه وسلم { إنكم لتفتنون في قبوركم } ما المراد بالفتنة ؟ وإذا ارتد العبد - والعياذ بالله - هل يجازى بأعماله الصالحة قبل الردة أم لا ؟ أفتونا مأجورين


فأجاب : - الحمد لله رب العالمين : أما عرض الأديان على العبد وقت الموت فليس هو أمرا عاما لكل أحد ولا هو أيضا منتفيا عن كل أحد بل من الناس من تعرض عليه الأديان قبل موته ; ومنهم من لا تعرض عليه وقد وقع ذلك لأقوام . وهذا كله من فتنة المحيا والممات التي أمرنا أن نستعيذ منها في صلاتنا : منها : ما في الحديث الصحيح { أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستعيذ في صلاتنا من أربع : من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال } . ولكن وقت الموت أحرص ما يكون الشيطان على إغواء بني آدم ; لأنه وقت الحاجة . [ ص: 256 ]

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { الأعمال بخواتيمها } وقال صلى الله عليه وسلم { إن العبد ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ; فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن العبد ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ; فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها } . ولهذا روي : { أن الشيطان أشد ما يكون على ابن آدم حين الموت يقول لأعوانه : دونكم هذا فإنه إن فاتكم لن تظفروا به أبدا } . وحكاية عبد الله بن أحمد بن حنبل مع أبيه وهو يقول : لا بعد . لا بعد : مشهورة . ولهذا يقال : إن من لم يحج يخاف عليه من ذلك لما روى أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من ملك زادا أو راحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج : فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا } . قال الله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين } قال عكرمة لما نزلت هذه الآية : { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } قالت اليهود والنصارى نحن مسلمون . فقال الله لهم : { ولله على الناس حج البيت } فقالوا لا نحجه فقال الله تعالى { ومن كفر فإن الله غني عن العالمين }

. [ ص: 257 ] وأما الفتنة في القبور فهي الامتحان والاختبار للميت حين يسأله الملكان فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم " محمد " ؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت فيقول المؤمن : الله ربي والإسلام ديني ومحمد نبيي . ويقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فآمنا به واتبعناه . فينتهرانه انتهارة شديدة - وهي آخر فتنه التي يفتن بها المؤمن - فيقولان له : كما قالا أولا . وقد تواترت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الفتنة من حديث البراء بن عازب وأنس بن مالك وأبي هريرة وغيرهم رضي الله عنهم وهي عامة للمكلفين ; إلا النبيين فقد اختلف فيهم . وكذلك اختلف في غير المكلفين كالصبيان والمجانين . فقيل : لا يفتنون لأن المحنة إنما تكون للمكلفين وهذا قول القاضي وابن عقيل .

وعلى هذا فلا يلقنون بعد الموت . وقيل يلقنون ويفتنون أيضا وهذا قول أبي حكيم وأبي الحسن بن عبدوس ونقله عن أصحابه وهو مطابق لقول من يقول : إنهم يكلفون يوم القيامة كما هو قول أكثر أهل العلم وأهل السنة من أهل الحديث والكلام . وهو الذي ذكره أبو الحسن الأشعري رضي الله عنه عن أهل السنة واختاره وهو مقتضى نصوص الإمام أحمد .

وأما " الردة عن الإسلام " بأن يصير الرجل كافرا مشركا أو كتابيا [ ص: 258 ] فإنه إذا مات على ذلك حبط عمله باتفاق العلماء كما نطق بذلك القرآن في غير موضع . كقوله : { ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة } وقوله : { ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله } وقوله : { ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون } وقوله : { لئن أشركت ليحبطن عملك } . ولكن تنازعوا فيما : إذا ارتد ; ثم عاد إلى الإسلام . هل تحبط الأعمال التي عملها قبل الردة أم لا تحبط إلا إذا مات مرتدا ؟ على قولين مشهورين ; هما قولان في مذهب الإمام أحمد والحبوط : مذهب أبي حنيفة ومالك .

والوقوف : مذهب الشافعي . وتنازع الناس أيضا في " المرتد " . هل يقال كان له إيمان صحيح يحبط بالردة ؟ أم يقال بل بالردة تبينا أن إيمانه كان فاسدا ؟ وأن الإيمان الصحيح لا يزول ألبتة ؟ على قولين لطوائف الناس وعلى ذلك يبنى قول المستثنى : أنا مؤمن - إن شاء الله - هل يعود الاستثناء إلى كمال الإيمان ؟ أو يعود إلى الموافاة في المآل والله أعلم

التالي السابق


الخدمات العلمية