صفحة جزء
[ ص: 259 ] وسئل : - هل جميع الخلق حتى - الملائكة - يموتون ؟


فأجاب : - الذي عليه أكثر الناس : أن جميع الخلق يموتون حتى الملائكة وحتى عزرائيل ملك الموت . وروي في ذلك حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم . والمسلمون واليهود والنصارى متفقون على إمكان ذلك وقدرة الله عليه ; وإنما يخالف في ذلك طوائف من المتفلسفة أتباع " أرسطو " وأمثالهم ومن دخل معهم من المنتسبين إلى الإسلام أو اليهود والنصارى : كأصحاب " رسائل إخوان الصفا " وأمثالهم ممن زعم أن " الملائكة " هي العقول والنفوس وأنه لا يمكن موتها بحال بل هي عندهم آلهة وأرباب لهذا العالم والقرآن وسائر الكتب : تنطق بأن الملائكة عبيد مدبرون كما قال سبحانه : { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا } .

وقال تعالى : { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا سبحانه بل عباد مكرمون } { لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون } { يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى } وقال : { وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى } . والله سبحانه قادر على أن يميتهم ثم يحييهم كما هو قادر على إماتة البشر والجن ثم إحيائهم . وقد قال سبحانه : { وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه }

. وقد ثبت في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه وعن غير واحد من الصحابة أنه قال : { إن الله إذا تكلم بالوحي أخذ الملائكة مثل الغشي } وفي رواية { إذا سمعت الملائكة كلامه صعقوا } وفي رواية { سمعت الملائكة كجر السلسلة على الصفوان فيصعقون فإذا فزع عن قلوبهم أي أزيل الفزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم ؟ قالوا الحق فينادون : الحق الحق } فقد أخبر في هذه الأحاديث الصحيحة أنهم يصعقون صعق الغشي ; فإذا جاز عليهم صعق الغشي جاز صعق الموت ; وهؤلاء المتفلسفة لا يجوزون لا هذا ولا هذا ; وصعق الغشي هو مثل صعق موسى عليه السلام قال تعالى : { فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا } . والقرآن قد أخبر بثلاث نفخات : نفخة الفزع ذكرها في سورة النمل في قوله : { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء } . [ ص: 261 ] ونفخة الصعق والقيام ذكرهما في قوله : { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون } . وأما الاستثناء فهو متناول لمن في الجنة من الحور العين فإن الجنة ليس فيها موت ومتناول لغيرهم . ولا يمكن الجزم بكل من استثناه الله فإن الله أطلق في كتابه .

وقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق فأجد موسى آخذا بساق العرش فلا أدري هل أفاق قبلي أم كان ممن استثناه الله ؟ } وهذه الصعقة قد قيل إنها رابعة وقيل إنها من المذكورات في القرآن . وبكل حال : النبي صلى الله عليه وسلم قد توقف في موسى وهل هو داخل في الاستثناء فيمن استثناه الله أم لا ؟ فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبر بكل من استثنى الله : لم يمكنا نحن أن نجزم بذلك وصار هذا مثل العلم بوقت الساعة وأعيان الأنبياء وأمثال ذلك مما لم يخبر به وهذا العلم لا ينال إلا بالخبر . والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية