صفحة جزء
[ ص: 274 ] سئل شيخ الإسلام رحمه الله تعالى عن سؤال منكر ونكير الميت إذا مات تدخل الروح في جسده ويجلس ويجاوب منكرا ونكيرا فيحتاج موتا ثانيا


فأجاب : - عود الروح إلى بدن الميت في القبر ليس مثل عودها إليه في هذه الحياة الدنيا ; وإن كان ذاك قد يكون أكمل من بعض الوجوه كما أن النشأة الأخرى ليست مثل هذه النشأة ; وإن كانت أكمل منها بل كل موطن في هذه الدار وفي البرزخ والقيامة : له حكم يخصه ; ولهذا أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يوسع له في قبره ويسأل ونحو ذلك وإن كان التراب قد لا يتغير فالأرواح تعاد إلى بدن الميت وتفارقه .

وهل يسمى ذلك موتا ؟ فيه قولان . قيل يسمى ذلك موتا . وتأولوا على ذلك قوله تعالى { ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين } قيل إن الحياة الأولى في هذه الدار والحياة الثانية في القبر . [ ص: 275 ] والموتة الثانية في القبر والصحيح أن هذه الآية كقوله : { وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم } فالموتة الأولى قبل هذه الحياة والموتة الثانية بعد هذه الحياة . وقوله تعالى { ثم يحييكم } بعد الموت . قال تعالى : { منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى } وقال : { قال فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون } . فالروح تتصل بالبدن متى شاء الله تعالى وتفارقه متى شاء الله تعالى لا يتوقت ذلك بمرة ولا مرتين والنوم أخو الموت . ولهذا { كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أوى إلى فراشه : باسمك اللهم أموت وأحيا } { وكان إذا استيقظ يقول : الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور } فقد سمى النوم موتا والاستيقاظ حياة .

وقد قال تعالى : { الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى } فبين أنه يتوفى الأنفس على نوعين : فيتوفاها حين الموت ويتوفى الأنفس التي لم تمت بالنوم ثم إذا ناموا فمن مات في منامه أمسك نفسه ومن لم يمت أرسل نفسه . ولهذا { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال : باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه فإن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين } . والنائم يحصل له في منامه لذة وألم وذلك يحصل للروح والبدن حتى [ ص: 276 ] إنه يحصل له في منامه من يضربه ; فيصبح والوجع في بدنه ويرى في منامه أنه أطعم شيئا طيبا فيصبح وطعمه في فمه وهذا موجود . فإذا كان النائم يحصل لروحه وبدنه من النعيم والعذاب ما يحس به - والذي إلى جنبه لا يحس به - حتى قد يصيح النائم من شدة الألم ; أو الفزع الذي يحصل له ويسمع اليقظان صياحه وقد يتكلم إما بقرآن وإما بذكر وإما بجواب .

واليقظان يسمع ذلك وهو نائم عينه مغمضة ولو خوطب لم يسمع فكيف ينكر حال المقبور الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يسمع قرع نعالهم ؟ وقال : { ما أنتم أسمع لما أقول منهم } . والقلب يشبه القبر ; ولهذا { قال صلى الله عليه وسلم لما فاتته صلاة العصر يوم الخندق : ملأ الله أجوافهم وقبورهم نارا } وفي لفظ : { قلوبهم وقبورهم نارا } وفرق بينهما في قوله : { بعثر ما في القبور } { وحصل ما في الصدور } وهذا تقريب وتقرير لإمكان ذلك . ولا يجوز أن يقال : ذلك الذي يجده الميت من النعيم والعذاب - مثلما - يجده النائم في منامه ; بل ذلك النعيم والعذاب أكمل وأبلغ وأتم . وهو نعيم حقيقي وعذاب حقيقي ولكن يذكر هذا المثل لبيان إمكان ذلك إذا قال السائل : الميت لا يتحرك في قبره والتراب لا يتغير ونحو ذلك مع أن هذه المسألة لها بسط يطول وشرح لا تحتمله هذه الورقة والله أعلم . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية