صفحة جزء
وسئل عن رجل يتجر في الأقباع : هل يجوز له بيع القبع المرعزي وشراؤه والاكتساب منه وما يجري مجراه من الحرير الصامت ؟ أو يحرم عليه لكون القبع لبس الرجال دون النساء ؟ وهل يجوز للجند والصبيان إذا كانوا دون البلوغ أو اليهود والنصارى ومن يجري مجراهم ؟ أو يحرم جميع ذلك ؟ وهل يجوز لمن يتجر في هذا الصنف وغيره أن يبيع لأهل البادية والنساء والصبيان ممن يجهل القيمة ما ثمنه درهم بدرهمين أو قريب منها مع علمه أن الذي يشتريه لو [ ص: 298 ] احتاج إلى ثمنه في بقية يومه لم يصل إلى الدرهم الذي هو أصل ثمنه بل أقل منه أو يحرم عليه ذلك ؟ وما القدر الذي يجوز من الكسب فيما يباع مساومة وهل هو الثلث أو أقل منه أو أكثر ؟


فأجاب : الحمد لله رب العالمين . أما أقباع الحرير : فيحرم لبسها على الرجال والنساء أما على الرجال فلأنها حرير ولبس الحرير حرام على الرجال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع العلماء ; وإن كان مبطنا بقطن أو كتان .

وأما على النساء ; فلأن الأقباع من لباس الرجال وقد { لعن النبي صلى الله عليه وسلم المتشبهات من النساء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء } .

وأما لباس الحرير للصبيان الذين لم يبلغوا . ففيه قولان مشهوران للعلماء ; لكن أظهرهما أنه لا يجوز ; فإن ما حرم على الرجال فعله حرم عليه أن يمكن منه الصغير ; بل عليه أن يأمره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين ويضربه عليها إذا بلغ عشرا فكيف يحل له أن يلبسه المحرمات . وقد رأى عمر بن الخطاب على صبي للزبير ثوبا من حرير فمزقه وقال : لا تلبسوهم الحرير . وكذلك ابن عمر مزق ثوب حرير كان على ابنه وما حرم لبسه لم تحل صناعته ولا بيعه لمن يلبسه من [ ص: 299 ] أهل التحريم . ولا فرق في ذلك بين الجند وغيرهم .

فلا يحل للرجل أن يكتسب بأن يخيط الحرير لمن يحرم عليه لبسه فإن ذلك إعانة على الإثم والعدوان وهذه مثل الإعانة على الفواحش ونحوها . وكذلك لا يباع الحرير لرجل يلبسه من أهل التحريم .

وأما إذا بيع الحرير للنساء فيجوز . وكذلك إذا بيع لكافر ; فإن عمر بن الخطاب أرسل بحرير أعطاه إياه النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل مشرك .

وأما البيع فلا يجوز أن يباع لمسترسل إلا بالسعر الذي يباع به غيره لا يجوز لأحد استرساله أن يغبن من الربح غبنا يخرج عن العادة . وقدر ذلك بعض العلماء بالثلث وآخرون بالسدس وبعضهم قالوا : يرجع في ذلك إلى عادة الناس مما جرت به عادتهم من الربح على المماكسين ما يربحونه على المسترسل . والمسترسل قد فسر بأنه الذي لا يماكس بل يقول : خذ وأعطني . وبأنه الجاهل بقيمة المبيع فلا يغبن غبنا فاحشا لا هذا ولا هذا . وفي الحديث { غبن المسترسل ربا } . ومن علم أنه يغبنهم استحق العقوبة ; بل يمنع من الجلوس في سوق المسلمين حتى يلزم طاعة الله ورسوله وللمغبون أن يفسخ البيع فيرد عليه السلعة ويأخذ منه الثمن . وإذا تاب هذا الغابن [ ص: 300 ] الظالم ولم يمكنه أن يرد إلى المظلومين حقوقهم فليتصدق بمقدار ما ظلمهم عنهم ; لتبرأ ذمته من ذلك .

وبيع المساومة إذا كان مع أهل الخبرة بالأسعار التي يشترون بها السلع في غالب الأوقات فإنهم يباع غيرهم كما يباعون فلا يربح على المسترسل أكثر من غيره .

وكذلك المضطر الذي لا يجد حاجته إلا عند هذا الشخص . ينبغي له أن يربح عليه مثل ما يربح على غير المضطر ; فإن في السنن { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع المضطر } ولو كانت الضرورة إلى ما لا بد منه : مثل أن يضطر الناس إلى ما عنده من الطعام واللباس ; فإنه يجب عليه أن لا يبيعهم إلا بالقيمة المعروفة بغير اختياره ولا يعطوه زيادة على ذلك . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية