صفحة جزء
وسئل عن الرجل يسلم في شيء فهل له أن يأخذ من المسلم إليه غيره . كمن أسلم في حنطة ؟ فهل له أن يأخذ بدلها شعيرا سواء تعذر المسلم فيه أم لا ؟


فأجاب : إذا أسلم في حنطة فاعتاض عنها شعيرا ونحو ذلك : فهذه فيها قولان للعلماء : أحدهما : أنه لا يجوز الاعتياض عن السلم بغيره كما هو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد في إحدى الروايتين عنه .

والثاني : يجوز الاعتياض عنه في الجملة إذا كان بسعر الوقت أو أقل . وهذا هو المروي عن ابن عباس حيث جوز إذا أسلم في شيء أن يأخذ عوضا بقيمته ولا يربح مرتين . وهو الرواية الأخرى عن أحمد حيث يجوز أخذ الشعير عن الحنطة إذا لم يكن أغلى من [ ص: 519 ] قيمة الحنطة . وقال : بقول ابن عباس في ذلك . ومذهب مالك يجوز الاعتياض عن الطعام والعرض بعرض . والأولون احتجوا بما في السنن . عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره } قالوا : وهذا يقتضي أن لا يبيع دين السلم لا من صاحبه ولا من غيره .

والقول الثاني أصح وهو قول ابن عباس ولا يعرف له في الصحابة مخالف ; وذلك لأن دين السلم دين ثابت فجاز الاعتياض عنه كبدل القرض وكالثمن في المبيع ; ولأنه أحد العوضين في البيع فجاز الاعتياض عنه ، كالعوض الآخر . وأما الحديث ففي إسناده نظر وإن صح فالمراد به أنه لا يجعل دين السلم سلفا في شيء آخر ; ولهذا قال : { فلا يصرفه إلى غيره } أي لا يصرفه إلى سلف آخر . وهذا لا يجوز لأنه يتضمن الربح فيما لم يضمن وكذلك إذا اعتاض عن ثمن المبيع والقرض فإنما يعتاض عنه بسعره كما في السنن عن { ابن عمر أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : إنا نبيع الإبل بالنقيع بالذهب ونقبض الورق ونبيع بالورق ونقبض الذهب . فقال : لا بأس إذا كان بسعر يومه إذا افترقتما وليس بينكما شيء } فيجوز الاعتياض بالسعر لئلا يربح فيما لم يضمن . فإن قيل فدين السلم يتبع ذلك فنهي عن بيع ما لم يقبض . قيل : النهي إنما كان في الأعيان لا في الديون .

التالي السابق


الخدمات العلمية