صفحة جزء
وسئل رحمه الله عن رجل له أرض مزروعة وغيرها وجاء من يزرعها له مشاطرة والبذر وسائر ما يلحق الزرع من الأجر حتى إذا أخذ الحصادون [ ص: 121 ] شيئا أخذ صاحب الأرض مثله ونصف التبن أيضا . فهل يجوز ذلك ؟ أم لا ؟ .


فأجاب : الحمد لله .

المزارعة على الأرض بشطر ما يخرج منها جائز سواء كان البذر من رب الأرض أو من العامل .

وهذا هو الصواب الذي دلت عليه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنة خلفائه الراشدين .

فإن { النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر وزرع على أن يعمروها من أموالهم } وهذا مذهب أكثر الصحابة والتابعين .

وجواز المزارعة على الأرض البيضاء هو مذهب الثوري وابن أبي ليلى وأحمد بن حنبل وأبي يوسف ومحمد والمحققين من أصحاب الشافعي العلماء بالحديث وبعض أصحاب مالك وغيرهم .

وكذلك يجوز على أصح القولين في مذهب أحمد وغيره أن يكون البذر من العامل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر وتشبيه ذلك بمال المضاربة فاسد ; فإن البذر لا يعود إلى باذره كما يعود مال المالك .

والذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من المخابرة هو أنهم كانوا يعاملون ويشترطون للمالك منفعة معينة من الأرض وهذا [ ص: 122 ] باطل بالاتفاق .

كما لو اشترط دراهم مقدرة في المضاربة أو ربح صنف بعينه من السلع .

والمساقاة والمزارعة والمضاربة ليست من أنواع الإجارة التي يشترط فيها تقدير العمل والأجرة فإن تلك يكون المقصود فيها العمل ; وإنما هي من جنس المشاركة فإنهما يشتركان بمنفعة بدن هذا ومنفعة مال هذا وهما مشتركان في المغنم والمغرم .

وكان آل أبي بكر يزارعون وآل عمر يزارعون وآل ابن مسعود يزارعون وهذا عمل المسلمين من زمن نبيهم إلى اليوم .

وهي كانت فيهم أظهر من كراء الأرض بالدراهم والدنانير فإنها أبعد عن الظلم والغرور وأقرب إلى العدل الذي ثبتت عليه المعاملات .

وأما مؤنة الحصادين فعلى من اشترطاه ; إن اشترطا المؤنة عليهما فهي عليهما وإن شرطاها على أحدهما فهي عليه وفي الإطلاق نزاع . ولهما اقتسام الحب والتبن والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية