صفحة جزء
[ ص: 414 ] سئل شيخ الإسلام : رحمه الله تعالى عن رجل متمسك بالسنة ويحصل له ريبة في تفضيل الثلاثة على " علي " لقوله له : " { أنت مني وأنا منك } وقوله : " { أنت مني بمنزلة هارون من موسى } وقوله : " { لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله } . . إلخ " وقوله : " { من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه } . . إلخ " وقوله : " { أذكركم الله في أهل بيتي } وقوله سبحانه : { فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم } الآية وقوله تعالى { هل أتى على الإنسان } الآية ؟ وقوله : { هذان خصمان اختصموا في ربهم } الآية .


فأجاب : يجب أن يعلم ( أولا أن التفضيل إذا ثبت للفاضل من الخصائص ما لا يوجد مثله للمفضول فإذا استويا وانفرد أحدهما بخصائص كان أفضل وأما الأمور المشتركة فلا توجب تفضيله على غيره . وإذا كان كذلك ففضائل الصديق - رضي الله عنه - التي تميز بها لم يشركه [ ص: 415 ] فيها غيره وفضائل علي مشتركة وذلك أن قوله : " { لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا } وقوله : " { لا يبقى في المسجد خوخة إلا سدت ; إلا خوخة أبي بكر } وقوله : " { إن أمن الناس علي في صحبته وذات يده أبو بكر } وهذا فيه ثلاث خصائص لم يشركه فيها أحد : ( الأولى : أنه ليس لأحد منهم عليه في صحبته وماله مثل ما لأبي بكر .

( الثانية : قوله : " { لا يبقى في المسجد } . . . إلخ " وهذا تخصيص له دون سائرهم ; وأراد بعض الكذابين أن يروي لعلي مثل ذلك والصحيح لا يعارضه الموضوع ( الثالثة : قوله : " { لو كنت متخذا خليلا } نص في أنه لا أحد من البشر استحق الخلة لو أمكنت إلا هو ولو كان غيره أفضل منه لكان أحق بها لو تقع . وكذلك أمره له أن يصلي بالناس مدة مرضه من الخصائص ; وكذلك تأميره له في المدينة على الحج ليقيم السنة ويمحق آثار الجاهلية فإنه من خصائصه وكذلك قوله في الحديث الصحيح " { ادع أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا } وأمثال هذه الأحاديث كثيرة تبين أنه لم يكن في الصحابة من يساويه ; وأما قوله : " { أنت مني وأنا منك } فقد قالها لغيره وقالها لسلمان والأشعريين .

وقال تعالى : { ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم } وقوله صلى الله عليه وسلم " { من غشنا فليس منا ومن حمل علينا السلاح فليس منا } يقتضي أن من يترك [ ص: 416 ] هذه الكبائر يكون منا فكل مؤمن كامل الإيمان فهو من النبي والنبي منه وقوله في ابنة حمزة : ( { أنت مني وأنا منك } وقوله لزيد : ( { أنت أخونا ومولانا } لا يختص بزيد بل كل مواليه كذلك .

وكذلك قوله : " { لأعطين الراية } . . إلخ " هو أصح حديث يروى في فضله وزاد فيه بعض الكذابين أنه أخذها أبو بكر وعمر فهربا وفي الصحيح أن عمر قال : ما أحببت الإمارة إلا يومئذ فهذا الحديث رد على الناصبة الواقعين في علي وليس هذا من خصائصه بل كل مؤمن كامل الإيمان يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال تعالى : { فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه } وهم الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر وفي الصحيح " { أنه سأله : أي الناس أحب إليك ؟ قال : عائشة .

قال : فمن الرجال ؟ قال : أبوها
} وهذا من خصائصه . وأما قوله : " { أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى } قاله في غزوة تبوك لما استخلفه على المدينة فقيل استخلفه لبغضه إياه وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا غزا استخلف رجلا من أمته وكان بالمدينة رجال من المؤمنين القادرين وفي غزوة تبوك لم يأذن لأحد فلم يتخلف أحد إلا لعذر أو عاص . فكان ذلك الاستخلاف ضعيفا فطعن به المنافقون بهذا السبب فبين له أني لم أستخلفك لنقص عندي ; فإن موسى استخلف هارون وهو شريكه في الرسالة أفما ترضى بذلك ؟ ومعلوم أنه استخلف غيره قبله وكانوا منه بهذه [ ص: 417 ] المنزلة فلم يكن هذا من خصائصه ولو كان هذا الاستخلاف أفضل من غيره لم يخف على علي ولحقه يبكي .

ومما بين ذلك أنه بعد هذا أمر عليه أبا بكر سنة تسع وكونه بعثه لنبذ العهود ليس من خصائصه ; لأن العادة لما جرت أنه لا ينبذ العهود ولا يعقدها إلا رجل من أهل بيته : فأي شخص من عترته نبذها حصل المقصود ولكنه أفضل بني هاشم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان أحق الناس بالتقدم من سائرهم فلما أمر أبا بكر بعد قوله : " { أما ترضى } . . . إلخ " علمنا أنه لا دلالة فيه على أنه بمنزلة هارون من كل وجه وإنما شبهه به في الاستخلاف خاصة وذلك ليس من خصائصه .

وقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر بإبراهيم وعيسى وشبه عمر بنوح وموسى - عليهم الصلاة والسلام - لما أشارا في الأسرى وهذا أعظم من تشبيه علي بهارون ولم يوجب ذلك أن يكونا بمنزلة أولئك الرسل وتشبيه الشيء بالشيء لمشابهته في بعض الوجوه كثير في الكتاب والسنة وكلام العرب . وأما قوله : " { من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه } . . . إلخ " فهذا ليس في شيء من الأمهات ; إلا في الترمذي وليس فيه إلا : " { من كنت مولاه فعلي مولاه } وأما الزيادة فليست في الحديث .

وسئل عنها الإمام أحمد فقال : زيادة كوفية ولا ريب أنها كذب لوجوه : [ ص: 418 ] ( أحدها : أن الحق لا يدور مع معين إلا النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لو كان كذلك لوجب اتباعه في كل ما قال ومعلوم أن عليا ينازعه الصحابة وأتباعه في مسائل وجد فيها النص يوافق من نازعه : كالمتوفى عنها زوجها وهي حامل . وقوله : " { اللهم انصر من نصره } . . إلخ " خلاف الواقع ; قاتل معه أقوام يوم " صفين " فما انتصروا وأقوام لم يقاتلوا فما خذلوا : " كسعد " الذي فتح العراق لم يقاتل معه وكذلك أصحاب معاوية وبني أمية الذين قاتلوه فتحوا كثيرا من بلاد الكفار ونصرهم الله .

وكذلك قوله : " { اللهم وال من والاه وعاد من عاداه } مخالف لأصل الإسلام ; فإن القرآن قد بين أن المؤمنين إخوة مع قتالهم وبغي بعضهم على بعض وقوله : " { من كنت مولاه فعلي مولاه } فمن أهل الحديث من طعن فيه كالبخاري وغيره ; ومنهم من حسنه فإن كان قاله فلم يرد به ولاية مختصا بها ; بل ولاية مشتركة وهي ولاية الإيمان التي للمؤمنين والموالاة ضد المعاداة ولا ريب أنه يجب موالاة المؤمنين على سواهم ففيه رد على النواصب . وحديث " { التصدق بالخاتم في الصلاة } كذب باتفاق أهل المعرفة وذلك مبين بوجوه كثيرة مبسوطة في غير هذا الموضع .

وأما قوله : يوم غدير خم : ( أذكركم الله في أهل بيتي فليس من الخصائص [ ص: 419 ] بل هو مساو لجميع أهل البيت وأبعد الناس عن هذه الوصية الرافضة ; فإنهم يعادون العباس وذريته ; بل يعادون جمهور أهل البيت ويعينون الكفار عليهم وأما آية " المباهلة " فليست من الخصائص بل دعا عليا وفاطمة وابنيهما ولم يكن ذلك لأنهم أفضل الأمة بل لأنهم أخص أهل بيته كما في حديث الكساء : " { اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا } .

فدعا لهم وخصهم . و " الأنفس " يعبر عنها بالنوع الواحد كقوله : { ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } وقال : { فاقتلوا أنفسكم } أي يقتل بعضكم بعضا وقوله : " { أنت مني وأنا منك } ليس المراد أنه من ذاته ولا ريب أنه أعظم الناس قدرا من الأقارب ; فله من مزية القرابة والإيمان ما لا يوجد لبقية القرابة فدخل في ذلك المباهلة وذلك لا يمنع أن يكون في غير الأقارب من هو أفضل منه لأن المباهلة وقعت في الأقارب وقوله : { هذان خصمان } الآية فهي مشتركة بين علي وحمزة وعبيدة بل وسائر البدريين يشاركونهم فيها .

وأما سورة : { هل أتى على الإنسان } فمن قال إنها نزلت فيه وفي فاطمة وابنيهما فهذا كذب ; لأنها مكية والحسن والحسين إنما ولدا في المدينة وبتقدير صحته فليس فيه أنه من أطعم مسكينا ويتيما وأسيرا أفضل الصحابة بل الآية عامة مشتركة فيمن فعل هذا وتدل على استحقاقه للثواب على هذا العمل مع أن غيره من الأعمال من الإيمان بالله والصلاة في وقتها والجهاد أفضل منه .

التالي السابق


الخدمات العلمية