صفحة جزء
وسئل رحمه الله عن الرجل يكتري أرضا للزرع فتصيبه آفة فيهلك فهل فيه جائحة ؟ أم لا ؟


فأجاب : أما إذا اكترى أرضا للزرع فأصابته آفة .

فهذه " مسألة وضع الجوائح في الثمر " فإن اشترى ثمرا قد بدا صلاحه فأصابته جائحة أتلفته قبل كمال صلاحه فإنه يتلف من ضمان البائع عند فقهاء المدينة .

كمالك وغيره .

وفقهاء الحديث كأحمد وغيره .

وهو قول معلق للشافعي ; فإن الشافعي علق القول بصحة الحديث .

والحديث قد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ ص: 260 ] { إذا بعت من أخيك ثمرة فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ من مال أخيك شيئا .

بم يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق ؟
} .

والاعتبار يؤيد هذا القول فإن المبيع تلف قبل تمكن المشتري من قبضه فأشبه ما لو تلفت منافع العين المؤجرة قبل التمكن من استيفائها .

فإذا قيل : هذه الثمرة تلفت بعد القبض قبل قبض الثمرة التي لم يكمل صلاحها من جنس قبض المنافع ; فإن المقصود إنما هو جذاذها بعد كمال الصلاح ; ولهذا إذا شرط المشتري في قبضها بعد كمال الصلاح كانت من ضمانه .

وقد تنازع الفقهاء هل يجوز له أن يبيعها قبل الجذاذ ؟ على قولين هما روايتان عن أحمد : أحدهما : لا يجوز ; لأنه بيع للمبيع قبل قبضه إذ لو كانت مقبوضة لكانت من ضمانه .

والثاني : يجوز بيعها وهو الصحيح ; لأنه قبضها القبض المبيح للتصرف وإن لم يقبضها القبض الناقل للضمان كقبض العين المؤجرة فإنه إذا قبضها جاز له التصرف في المنافع وإن كانت إذا تلفت تكون من ضمان المؤجر ; لكن تنازع الفقهاء : هل له أن يؤجرها بأكثر مما استأجرها به ؟ على ثلاثة أقوال هي ثلاث روايات عن أحمد .

[ ص: 261 ] قيل : يجوز كقول الشافعي .

وقيل : لا يجوز كقول أبي حنيفة وصاحبيه ; لأنه ربح فيما لم يضمن ; لأن المنافع لم يضمنها .

وقيل : إن أحدث فيها عمارة جاز وإلا فلا .

والأول أصح ; لأنها مضمونة عليه بالقبض بمعنى أنه إذا لم يستوفها تلفت من ضمانه لا من ضمان المؤجر كما لو تلف الثمر بعد بدو صلاحه والتمكن من جذاذه ; ولكن إذا تلفت العين المؤجرة كانت المنافع تالفة من ضمان المؤجر ; لأن المستأجر لم يتمكن من استيفائها فيفرق بين ما قبل التمكن وبعده .

فصل وأما إذا استأجر أرضا للازدراع فأصابتها آفة فإذا تلف الزرع بعد تمكن المستأجر من أخذه مثل أن يكون في البيدر فيسرقه اللص أو يؤخر حصاده عن الوقت حتى يتلف .

فهنا يجب على المستأجر الأجرة .

وأما إذا كانت الآفة مانعة من الزرع فهنا لا أجرة عليه بلا نزاع .

وأما إذا نبت الزرع ولكن الآفة منعته من تمام صلاحه مثل [ ص: 262 ] نار أو ريح أو برد أو غير ذلك مما يفسده بحيث لو كان هناك زرع غيره لأتلفته .

فهنا فيه قولان : أظهرهما : أن يكون من ضمان المؤجر ; لأن هذه الآفة أتلفت المنفعة المقصودة بالعقد ; لأن المقصود بالعقد المنفعة التي يثبت بها الزرع حتى يتمكن من حصاده فإذا حصل للأرض ما يمنع هذه المنفعة مطلقا بطل المقصود بالعقد قبل التمكن من استيفائه .

ومثل هذا لو كانت الأرض سبخة فتلف الزرع أو كانت إلى جانب بحر أو نهر فأتلف الماء تلك الأرض قبل كمال الزرع ونحو ذلك .

ففي هذه الصور كلها تتلف من ضمان المؤجر .

وليس على المستأجر أجرة ما تعطل الانتفاع به .

كما لو ماتت الدابة المستأجرة أو انقطع الماء ولم يمكن الانتفاع بها في شيء من المنفعة المقصودة بالعقد وأمثال هذه الصور .

وليس هذا مثل أن يسرق ماله أو يحترق من الدار ; فإن المنفعة المقصودة بالعقد لم تتغير فإنه يمكن أن ينتفع بها هو وغيره ; بأن يحفظها من اللص أو الحريق .

ونظير ذلك أن يتلف المال الذي اكترى الدابة لحمله ; فإن الأجرة عليه ; بخلاف ما إذا كانت الآفة مانعة من الانتفاع مطلقا له ولغيره ; فإن هذا بمنزلة موت الدابة واحتراق الدار المؤجرة .

ونظير سرقة [ ص: 263 ] متاعه من الدار : أن يسرق سارق زرعه .

وأما إذا جاء جيش عام فأفسد الزرع فهذه آفة سماوية ; فإن هذا لا يمكن تضمينه ; ولا الاحتراز منه .

ونظيره أن يجيء جيش عام فيخرج الناس من مساكنهم التي يسكنونها .

التالي السابق


الخدمات العلمية